دلال العريفي

موظفو الرخاء وموظفو الشدة

الأربعاء - 03 يونيو 2020

Wed - 03 Jun 2020

يقول حكماء العرب «إذا أردت أن تكتشف شخصا سافر معه، ففي السفر ينكشف الإنسان». وهنا أتفق تماما مع أصدقائي الحكماء، وأضيف لحديثهم أن العمل مع الشخص كفيل بالكشف عنه أفضل من السفر كثيرا. ففي بيئات العمل لا تدوم المجاملات، ولا يصمد التظاهر طويلا. وفي العمل يذوب المظهر، وينكشف المخبر. فوظائف اليوم لا تتم دون العمل والاحتكاك اليومي مع مجموعة من الأشخاص الذين يضمهم مكان حقيقي أو افتراضي واحد، وتجمعهم أعمال متقاطعة ومصالح مشتركة. قد تتحد آراؤهم يوما، وقد تتصارع أياما. لكن حقيقة الإنسان تتجلى في كل الصور والمواقف التي تلتقطها كاميرات الأيام، لتبقى في ألبوم حياته وحياة رفاق رحلة عمله.

وحين نتكلم عن رحلات العمل هذه لسنا نتحدث عن رحلات ترفيهية على سفينة أحلام فارهة، إنما الأمر كما تعلمون كسفر على مركب، تهدأ الأمواج حينا فيسير هادئا مطمئنا، وحينا تتقاذفه الأمواج فيضطرب ثم لا يسكن إلا بركّابه، ولا يسير إلا بمواقفهم ومهاراتهم وثباتهم. هنا فقط تنعكس شمس الحقيقة على الإنسان لتظهر جوهره ونوعه، فالشدائد صادقة في المعاني، ومخلصة دائما في التعليم.

كنت أؤمن ولا أزال أن المواقف لا يمكن أن تؤخذ من يد الرخاء، بل من فم الشدة، وأن إنسان الرخاء قد يغيب تماما حين تشتد الأيام! هل يمكن أن ننكر هذا الجانب الإيجابي للشدائد؟!

وشدائد الأيام تلك تمر بيئات العمل والإدارات بين حين وحين. وربما تتفقون معي أن أزمة كوفيد-19، كانت شدة حقيقية، تلاطمت فيها أمواج العمل والإدارة مع أمواج أخرى، واتضحت فيها مراكب كل إنسان، بل أخلاقه وعقله ومعدنه.

بالنسبة لي، لم تضف أزمة كوفيد-19 أي جديد فيما يخص موظفي الرخاء وموظفي الشدة، فكل الذين تغيبون عن الإنجاز تلك الفترة، وكل الذين أمطرونا بالأعذار المتنوعة، كانوا هم أنفسهم الذين كشفهم ضغط العمل، وتراكم المهام في أيام الرخاء. وكل المتميزين الرائعين الذين كانوا يسهرون حتى الصباح وإلى آخر الأيام هم أنفسهم الفريق الحقيقي الذي ينجز دائما في رخاء الأيام ومع ضغوط العمل، كانوا بحق زينة في الرخاء وعدة في الشدة!

قد تبدو الأزمات والشدائد ثقيلة علينا، لكنها بالتأكيد تضيف لنا خبرات ما كنا سنكتسبها لولاها! وأظن أن لكل منا أو بعضنا الآن قائمة طويلة من الإجراءات للتعامل مستقبلا مع كمية التراخي الوظيفي عند البعض، وقائمة أطول من مسارات التصحيح والانتقاء والتدريب على إدارة الأزمات، وإدارة الأعمال وإنجازها وتحمل المسؤولية وقت الأزمة وعن بُعد، وكيف تتم محاسبة المتراخين والمتخاذلين عن بُعد؟ وهل يرضى أحد بالتخاذل والتراخي الوظيفي، وفي وقت أزمة؟! وهل أغفلنا نحن هذا الجانب طويلا واستبعدنا مثل هذه الظروف؟!

عموما يا أصدقاء، لعلنا نتعلم ونعلم غيرنا كثيرا عن رخاء الأيام وشدتها، وندرس المواقف ونحللها، حتى لا يتغنى أحدهم غدا بكلام أحد المسافرين في هذا العالم «وغدا سنمضي فوق أمواج الحياة / لا نعرف المرسى وتاهت كل أطواق النجاة». ونحن إذ نمضي فوق أمواج حياتنا نؤمن ونستشعر المسؤولية والأمانة التي وكلنا بها، وسيكون «كلنا مسؤول» أفضل الحلول وأهمها!

@darifi_