فيروس كورونا (كوفيد 19)..آثاره على الصحة النفسية والاجتماعية
الخميس - 21 مايو 2020
Thu - 21 May 2020
لقد أكد ابن خلدون من قبل في كتاب العبر والمبتدأ والخبر أن الحافز الأساسي لكتابة التاريخ هو خشيته من ضياع أخبار الأجيال التي انقرضت مع الطاعون، فانكب على حفظ الذاكرة للأجيال القادمة، لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن الطاعون الأسود قد ضرب القارة الأوروبية وشمال أفريقيا في سنتي 1348 و1352 وقضى على ثلثي سكان أوروبا وكل ثروتها من المواشي، مما أجبر سكان الأرياف والمزارعين على النزوح إلى المدن التي أنشؤوها خاصة في إيطاليا وهولندا، فازدهرت الصناعات التقليدية والتجارية، وتغير نمط حياة الأوروبيين، ولعل ذلك هو الذي أدى إلى ظهور عصر النهضة في أوروبا.
وحين ظهرت الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918 في أمريكا وأوروبا وآسيا وقتلت نحو 100 مليون نسمة أي أضعاف ما أتت عليه الحرب العالمية الأولى أدى ذلك بدوره إلى تغييرات جغرافية وسياسية واجتماعية كبيرة. يعني أن هنالك دائما تغيرات تطرأ على المجتمعات إثر الأوبئة، ويبدو جليا أنها ستحدث تغيرات كبيرة بعد الكورونا فيروس، هذا ما يؤكده لنا تقريبا كل مفكري العالم في الشرق والغرب كل يوم على القنوات التلفزية وفي كتاباتهم من أمثال الإيطالي جورجيو اقامبن والمجري بيتر سلوتردايك والأمريكي نعوم تشومسكي وجاك اتالي في فرنسا وغيرهم كثير.
إن الأزمة التي يواجهها العالم والتي خلقتها هذه الجائحة (الكوفيد19)، اليوم هي أزمة عميقة لم يواجهها العالم من قبل، لأنها شكلت أزمة على مستوى جميع الدول حتى على مستوى جميع الأفراد دون استثناء، لذلك فان العالم لن يكون هو نفسه بعدها باعتبار أن هذا الوباء المفاجئ لا يضع تحديات هائلة أمام أمن الصحة العامة العالمية، بل هو كذلك يفتح أعيننا اليوم على المخاطر المحدقة بصحتنا وبالمحيط الملوث الذي نعيش فيه منذ مدة، كلنا يتذكر الفتاة السويدية غريتا ثامبرغ التي قامت برحلة بحرية في الصائفة الماضية من أوروبا إلى أمريكا لتنبه قادة العالم بالخطر الذي يهدد الكرة الأرضية والأجيال القادمة، ولكن الكثيرون سخروا منها واعتبروا أن عملها كان استعراضيا لا غير.
إن أزمة الكوفيد 19 تلقي بظلالها على نمط حياة الإنسان، على حرية تنقله وعيشه من السياسي إلى رجل الشارع لأنه لا يمكننا أن نعاند هذا الفيروس الخطير، ونستمر في العيش كما كنا من قبل، ما ألفناه وتعودنا عليه وصار من تقاليد حياتنا اليومية وجدنا أنفسنا أمام ضرورة تغييره، فالوباء جعل كل الناس في العالم يغيرون أساليب حياتهم، لم نعد نصافح بعضنا البعض، لم نعد نزور أقاربنا، خاصة آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا وكبار السن عموما خوفا عليهم باعتبار أن هذه الجائحة تفتك خاصة بالمسنين.
وقد أخبرنا الأطباء والمختصون في علم الجراثيم، حتى إن الكل صار يعرف بأن هذا الفيروس ينتقل عن طريق الجسم الحي، سواء عن بالمصافحة أو بالتقبيل أو بأي شكل من أشكال التقارب وكذلك عندما نلمس مادة جامدة، إذ يمكن أن يعيش فترة على بعض المواد والسطوح وخاصة مادة البلاستيك وكذلك على النقود، وهذا يعني أن هنالك إساءة غير مرئية تنتقل من جسم إلى جسم آخر فتجعلنا نضر غيرنا وننقل إليه العدوى.
نكتشف أننا يمكن بسهولة أن نلحق الضرر بغيرنا حتى وإن كان أقرب الناس إلينا، وهذا يعني أن الإنسان يكتشف بأنه مسؤول عن تحركاته وكل أفعاله بصفة مطلقة في حين كان أولى به أن يشعر بهذه المسؤولية تجاه الآخرين من قبل حتى بالنسبة للجيل الذي لم يولد بعد. إن هذا الفيروس بما يشكله من خطر فناء مشترك سيجبر الإنسان على مراجعة كل مفاهيمه حول البيئة والصحة والحياة المشتركة في المجتمع. يذكرنا هذا الوباء بأن العالم يتحدد بطبيعة الهواء الذي نتنفسه والغذاء الذي نتناوله والأشخاص الذين نختلط بهم. ويذكرنا خاصة أن الصحة هي أساس الحياة وأنه لا يستقيم أي شيء في حياتنا مع فقدان الصحة.
إن هذه الجائحة وبما فرضته على المجتمع من حظر صحي في كل مكان من العالم قد خلقت أزمة في الحضارة لم نعشها من قبل لأنها أجبرتنا على التأقلم واستعمال الأنترنت بكثافة ودون هوادة، كل واحد أصبح يعيش ساعات كثيرة في اليوم عن طريق النت، فالحظر الصحي قد قلب حياتنا رأسا على عقب، إذ حصل تباعد اجتماعي كما ذكرنا، ولكن تقارب افتراضي كبير بين الناس وفرته وسائل التواصل الاجتماعي.
من آثار الفيروس كذلك أن كل الناس اتجهوا إلى الاستماع إلى آراء وتحاليل ونصائح الأطباء بدءا بالسياسيين إلى رجل الشارع. وأصبح الحديث يدور في كل الأوساط عن الدكتور راؤول في فرنسا وعن الكرو لوكين والأبحاث الجارية في السعودية والإمارات وتونس وإيران وأمريكا وألمانيا وفرنسا وكوريا أي سقطت كل الاعتبارات السياسية والاقتصادية والطبقية والمذهبية، وأصبح لكل سكان العالم نفس الشاغل، وهذا يعني أنه حين تكون حياة البشر في الميزان فإن الكل يتابع الأبحاث العلمية وينتظر نتائجها، بل أكثر من ذلك فإن امتثال البشر في كل أنحاء العالم إلى الحجر الصحي يدل على أن كل الناس قد فهموا أن لا خلاص لهم دون علم باعتبار أن العلم يقوم على مبدأ الوقاية، والوقاية تتطلب الفعل، والفعل يتطلب الانضباط.
كما أن هذا الوباء قد دفع معظم البلدان إلى إيلاء اهتمام أكبر بشؤونها الداخلية منه بالشؤون الخارجية وهذا في رأيي سيستمر لسنوات.
وفي هذا الإطار يمكن أن أتحدث عن التجربة التونسية وما وقع من تحولات وما أحدثته هذه الجائحة من تغيرات في المجتمع، في غضون هذا الأسبوع اهتمت العديد من الصحف ولا سيما الواشنطن بوست والنيويورك تايمز بشخصية طبية تونسية، وهي الدكتورة نصاف بن علية، المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة بوزارة الصحة والتي قادت معركة التصدي للكوفيد 19 بخطة محكمة، وقد أشادت هذه الصحف بحكمة هذه الطبيبة وبخطتها الناجعة في مقاومة هذا الوباء.
وكأن فيروس الكورونا قد جاء ليثبت لمن ما زال يعتقد بأن المرأة لا تفلح في قيادة المعارك وفي تولي المسؤوليات الكبرى أنها قادرة على فعل المعجزات حين تتاح لها الفرصة. وكذلك رأينا كيف أن أميرة السويد، الأميرة صوفيا زوجة الأمير كارل فيليب قد نزعت التاج الملكي ولبست الثوب الطبي والتحقت بالمستشفى في ستوكهولم في أوج الأزمة الصحية التي خلقها كورونا.
كل البلدان تقريبا خلال هذه الجائحة وجدت نفسها أمام مصيرها وحاولت أن تجد حلولا داخلية، فلا أحد يستطيع أن يعول على إعانات خارجية باعتبار أن هذا الفيروس قد جعل أغنى الدول وأكبرها تتخبط وتسعى جاهدة لإنقاذ مواطنيها.
ويمكن هنا أن أشير إلى التجربة التونسية فقد دفع فيروس الكورونا كل الطاقات إلى الانكباب على البحث وأنتج تقدما ملحوظا في دعم خدمات الصحة العامة، فقد تمكن طلبة مدرسة الهندسة بمدينة سوسة من تصميم آلة علاج بالأكسجين في فترة حرجة من انتشار الفيروس كان الكل يخشى فيها عدم قدرة وحدات الإنعاش الصحية في البلاد على استيعاب عدد المصابين، كما كانت تونس من أوائل البلدان في المنطقة التي قامت بفك تشفير جينوم الفيروس المنتشر محليا، وهي تعد خطوة أولى ضرورية لتطوير اللقاح.
فضلا عن عدة اختراعات أخرى مرتبطة بالذكاء الاصطناعي وفي علاقة بالجائحة فيما يخص مراقبة الحظر الصحي وإجراء الفحوصات والاختبارات.. إلخ.
تغيرات كبيرة تحصل في مجتمعاتنا كل يوم إثر هذه الجائحة، لعلها ستجعلنا نعيد ترتيب حياتنا وأولوياتنا، كذلك يمكن لهذا الحظر أن يكون فرصة للتحرر من ثقافة الاستهلاك المفرط التي رغم معرفتنا بمضارها لم نكن قادرين على التحرر منها، إذ نلاحظ أن إغلاق المطاعم والمقاهي والتزام الناس ببيوتهم قد أرجعهم إلى عادات قديمة كتناول الطعام الصحي في بيوتهم وحرصهم على النظافة والتعقيم بأنفسهم وهي عادات وقائية ستقضي على العديد من الجراثيم وتقينا العديد من الأمراض في المستقبل. وهذا يعني أنه حين تكون الأرواح البشرية في الميزان تتحرك كل الهمم.
إننا نلمس كذلك العديد من النتائج الإيجابية فيما يخص الحياة الاجتماعية في العديد من المناطق من العالم، خاصة في المناطق التي تعطى فيها الأولوية للحياة المهنية والنجاح الاقتصادي على حساب الحياة الخاصة ولا سيما العائلة. نلاحظ أن العديد من العائلات بحكم الحجر الصحي المفروض قد تلاقت وعاشت بفضل هذه التجربة تقاربا بعد إغلاق المدارس وبعد أن أصبحت الشوارع فارغة، خالية من السيارات ومن البشر.
نأمل أن يحصل نوع من التصالح بين الإنسان والطبيعة التي يعيش فيها، وأن يكون الإنسان أكثر رحمة ومحبة وتضامنا مع غيره من البشر، وبذلك يفوز بصحة نفسية وسلم اجتماعي.
وحين ظهرت الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918 في أمريكا وأوروبا وآسيا وقتلت نحو 100 مليون نسمة أي أضعاف ما أتت عليه الحرب العالمية الأولى أدى ذلك بدوره إلى تغييرات جغرافية وسياسية واجتماعية كبيرة. يعني أن هنالك دائما تغيرات تطرأ على المجتمعات إثر الأوبئة، ويبدو جليا أنها ستحدث تغيرات كبيرة بعد الكورونا فيروس، هذا ما يؤكده لنا تقريبا كل مفكري العالم في الشرق والغرب كل يوم على القنوات التلفزية وفي كتاباتهم من أمثال الإيطالي جورجيو اقامبن والمجري بيتر سلوتردايك والأمريكي نعوم تشومسكي وجاك اتالي في فرنسا وغيرهم كثير.
إن الأزمة التي يواجهها العالم والتي خلقتها هذه الجائحة (الكوفيد19)، اليوم هي أزمة عميقة لم يواجهها العالم من قبل، لأنها شكلت أزمة على مستوى جميع الدول حتى على مستوى جميع الأفراد دون استثناء، لذلك فان العالم لن يكون هو نفسه بعدها باعتبار أن هذا الوباء المفاجئ لا يضع تحديات هائلة أمام أمن الصحة العامة العالمية، بل هو كذلك يفتح أعيننا اليوم على المخاطر المحدقة بصحتنا وبالمحيط الملوث الذي نعيش فيه منذ مدة، كلنا يتذكر الفتاة السويدية غريتا ثامبرغ التي قامت برحلة بحرية في الصائفة الماضية من أوروبا إلى أمريكا لتنبه قادة العالم بالخطر الذي يهدد الكرة الأرضية والأجيال القادمة، ولكن الكثيرون سخروا منها واعتبروا أن عملها كان استعراضيا لا غير.
إن أزمة الكوفيد 19 تلقي بظلالها على نمط حياة الإنسان، على حرية تنقله وعيشه من السياسي إلى رجل الشارع لأنه لا يمكننا أن نعاند هذا الفيروس الخطير، ونستمر في العيش كما كنا من قبل، ما ألفناه وتعودنا عليه وصار من تقاليد حياتنا اليومية وجدنا أنفسنا أمام ضرورة تغييره، فالوباء جعل كل الناس في العالم يغيرون أساليب حياتهم، لم نعد نصافح بعضنا البعض، لم نعد نزور أقاربنا، خاصة آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا وكبار السن عموما خوفا عليهم باعتبار أن هذه الجائحة تفتك خاصة بالمسنين.
وقد أخبرنا الأطباء والمختصون في علم الجراثيم، حتى إن الكل صار يعرف بأن هذا الفيروس ينتقل عن طريق الجسم الحي، سواء عن بالمصافحة أو بالتقبيل أو بأي شكل من أشكال التقارب وكذلك عندما نلمس مادة جامدة، إذ يمكن أن يعيش فترة على بعض المواد والسطوح وخاصة مادة البلاستيك وكذلك على النقود، وهذا يعني أن هنالك إساءة غير مرئية تنتقل من جسم إلى جسم آخر فتجعلنا نضر غيرنا وننقل إليه العدوى.
نكتشف أننا يمكن بسهولة أن نلحق الضرر بغيرنا حتى وإن كان أقرب الناس إلينا، وهذا يعني أن الإنسان يكتشف بأنه مسؤول عن تحركاته وكل أفعاله بصفة مطلقة في حين كان أولى به أن يشعر بهذه المسؤولية تجاه الآخرين من قبل حتى بالنسبة للجيل الذي لم يولد بعد. إن هذا الفيروس بما يشكله من خطر فناء مشترك سيجبر الإنسان على مراجعة كل مفاهيمه حول البيئة والصحة والحياة المشتركة في المجتمع. يذكرنا هذا الوباء بأن العالم يتحدد بطبيعة الهواء الذي نتنفسه والغذاء الذي نتناوله والأشخاص الذين نختلط بهم. ويذكرنا خاصة أن الصحة هي أساس الحياة وأنه لا يستقيم أي شيء في حياتنا مع فقدان الصحة.
إن هذه الجائحة وبما فرضته على المجتمع من حظر صحي في كل مكان من العالم قد خلقت أزمة في الحضارة لم نعشها من قبل لأنها أجبرتنا على التأقلم واستعمال الأنترنت بكثافة ودون هوادة، كل واحد أصبح يعيش ساعات كثيرة في اليوم عن طريق النت، فالحظر الصحي قد قلب حياتنا رأسا على عقب، إذ حصل تباعد اجتماعي كما ذكرنا، ولكن تقارب افتراضي كبير بين الناس وفرته وسائل التواصل الاجتماعي.
من آثار الفيروس كذلك أن كل الناس اتجهوا إلى الاستماع إلى آراء وتحاليل ونصائح الأطباء بدءا بالسياسيين إلى رجل الشارع. وأصبح الحديث يدور في كل الأوساط عن الدكتور راؤول في فرنسا وعن الكرو لوكين والأبحاث الجارية في السعودية والإمارات وتونس وإيران وأمريكا وألمانيا وفرنسا وكوريا أي سقطت كل الاعتبارات السياسية والاقتصادية والطبقية والمذهبية، وأصبح لكل سكان العالم نفس الشاغل، وهذا يعني أنه حين تكون حياة البشر في الميزان فإن الكل يتابع الأبحاث العلمية وينتظر نتائجها، بل أكثر من ذلك فإن امتثال البشر في كل أنحاء العالم إلى الحجر الصحي يدل على أن كل الناس قد فهموا أن لا خلاص لهم دون علم باعتبار أن العلم يقوم على مبدأ الوقاية، والوقاية تتطلب الفعل، والفعل يتطلب الانضباط.
كما أن هذا الوباء قد دفع معظم البلدان إلى إيلاء اهتمام أكبر بشؤونها الداخلية منه بالشؤون الخارجية وهذا في رأيي سيستمر لسنوات.
وفي هذا الإطار يمكن أن أتحدث عن التجربة التونسية وما وقع من تحولات وما أحدثته هذه الجائحة من تغيرات في المجتمع، في غضون هذا الأسبوع اهتمت العديد من الصحف ولا سيما الواشنطن بوست والنيويورك تايمز بشخصية طبية تونسية، وهي الدكتورة نصاف بن علية، المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة بوزارة الصحة والتي قادت معركة التصدي للكوفيد 19 بخطة محكمة، وقد أشادت هذه الصحف بحكمة هذه الطبيبة وبخطتها الناجعة في مقاومة هذا الوباء.
وكأن فيروس الكورونا قد جاء ليثبت لمن ما زال يعتقد بأن المرأة لا تفلح في قيادة المعارك وفي تولي المسؤوليات الكبرى أنها قادرة على فعل المعجزات حين تتاح لها الفرصة. وكذلك رأينا كيف أن أميرة السويد، الأميرة صوفيا زوجة الأمير كارل فيليب قد نزعت التاج الملكي ولبست الثوب الطبي والتحقت بالمستشفى في ستوكهولم في أوج الأزمة الصحية التي خلقها كورونا.
كل البلدان تقريبا خلال هذه الجائحة وجدت نفسها أمام مصيرها وحاولت أن تجد حلولا داخلية، فلا أحد يستطيع أن يعول على إعانات خارجية باعتبار أن هذا الفيروس قد جعل أغنى الدول وأكبرها تتخبط وتسعى جاهدة لإنقاذ مواطنيها.
ويمكن هنا أن أشير إلى التجربة التونسية فقد دفع فيروس الكورونا كل الطاقات إلى الانكباب على البحث وأنتج تقدما ملحوظا في دعم خدمات الصحة العامة، فقد تمكن طلبة مدرسة الهندسة بمدينة سوسة من تصميم آلة علاج بالأكسجين في فترة حرجة من انتشار الفيروس كان الكل يخشى فيها عدم قدرة وحدات الإنعاش الصحية في البلاد على استيعاب عدد المصابين، كما كانت تونس من أوائل البلدان في المنطقة التي قامت بفك تشفير جينوم الفيروس المنتشر محليا، وهي تعد خطوة أولى ضرورية لتطوير اللقاح.
فضلا عن عدة اختراعات أخرى مرتبطة بالذكاء الاصطناعي وفي علاقة بالجائحة فيما يخص مراقبة الحظر الصحي وإجراء الفحوصات والاختبارات.. إلخ.
تغيرات كبيرة تحصل في مجتمعاتنا كل يوم إثر هذه الجائحة، لعلها ستجعلنا نعيد ترتيب حياتنا وأولوياتنا، كذلك يمكن لهذا الحظر أن يكون فرصة للتحرر من ثقافة الاستهلاك المفرط التي رغم معرفتنا بمضارها لم نكن قادرين على التحرر منها، إذ نلاحظ أن إغلاق المطاعم والمقاهي والتزام الناس ببيوتهم قد أرجعهم إلى عادات قديمة كتناول الطعام الصحي في بيوتهم وحرصهم على النظافة والتعقيم بأنفسهم وهي عادات وقائية ستقضي على العديد من الجراثيم وتقينا العديد من الأمراض في المستقبل. وهذا يعني أنه حين تكون الأرواح البشرية في الميزان تتحرك كل الهمم.
إننا نلمس كذلك العديد من النتائج الإيجابية فيما يخص الحياة الاجتماعية في العديد من المناطق من العالم، خاصة في المناطق التي تعطى فيها الأولوية للحياة المهنية والنجاح الاقتصادي على حساب الحياة الخاصة ولا سيما العائلة. نلاحظ أن العديد من العائلات بحكم الحجر الصحي المفروض قد تلاقت وعاشت بفضل هذه التجربة تقاربا بعد إغلاق المدارس وبعد أن أصبحت الشوارع فارغة، خالية من السيارات ومن البشر.
نأمل أن يحصل نوع من التصالح بين الإنسان والطبيعة التي يعيش فيها، وأن يكون الإنسان أكثر رحمة ومحبة وتضامنا مع غيره من البشر، وبذلك يفوز بصحة نفسية وسلم اجتماعي.