عبدالحليم البراك

كونوا كالنبات

الاثنين - 18 مايو 2020

Mon - 18 May 2020

كونوا كالنبات في هدوئه، فالنبات كائن بسيط وهادئ للغاية، ينمو بهدوء، يستطيل ويتمدد بهدوء، بلا إزعاج يكبر ويعطي لونا بهيجا للحياة، بل إنه من رقته لا يأخذ ما نأخذ، بل يأخذ ما نتخلص منه، فهو لا يأخذ الأكسجين مثلنا، بل يأخذ ما ننتج والحيوانات، يأخذ ثاني أوكسيد الكربون الذي لا نحتاجه وبقايا الحيوان الذي نضيق به، ليعطينا خضرة وجمالا وهدوءا.

كونوا كالنبات في رقته، النبات رقيق للغاية وحساس للغاية، أكثر عليه الماء يغرق ويتعفن، قلل الماء يعطش ويموت، اعتنِ به أكثر يعطي أكثر، احرث الأرض يعطي أكثر ضع له سمادا يعطي أكثر، لا كائن برقة هذا الكائن اللطيف.

كونوا مفيدين كفائدة النبات، قليل جدا النبات السام وأقل منه النبات الضار الذي لا يصل إلى أقل من ربع النصف في المائة من النباتات المفيدة، كونوا كالنبات نادرا في المضرة غالبا في الفائدة، معطاء لا ينتظر إلا الماء، فسبحان من سواه!

كونوا كالنبات، ظلا للمارة، ظلا للناس، ظلا للمحتاج، ظلا لأمك، ظلا لأبيك، ظلا لأسرتك وأصدقائك، النبات يقدم ظلا ويحترق لطفا في الشمس من أجل القابعين في ظله، والرجل الكريم ينفق من حر ماله من أجل المحتاجين، لأنه يؤمن أن العطاء للناس أرق وأجمل بكثير من الأخذ منهم!

كونوا كالنبات في خفته على المعدة، فالأطباء يوصون بالبنات وترك منتجات الحيوان ولحمه، كونوا خفيفي الحضور إن حضرتم كالنبات، كونوا مفقودين على الساحة إن اجتمع الناس بدونكم، هل رأيتم سفرة خالية من نبات؟ هل رأيتم سفرة بلا خضرة، هل حذرك طبيب من الخضار؟ كونوا كالنبات خفيفين على معدة الناس من حولكم، لا يحذَر منكم أحد، ولا يحذّر منكم أحد!

كونوا بردا وسلاما على الناس، مثل برد البساتين المليئة بالنبات، وهي تلطف الأجواء لمن حولها في الحر الشديد، فلا ألطف من نسمة باردة في جو حار، ولا أرق من رائحة رطبة في جفاف صحراء حارة، كونوا كالنبات نسمة باردة تسعد الناس من حولكم!

كونوا كالنبات لكل بيئة شكل لطيف يخرج فيها، فنباتات الصحراء للصحراء، ونباتات الشواطئ المالحة للأطراف المالحة، ونباتات الظل للبيوت وسفوح الغابات، التي يختفي عنها ضوء الشمس المباشرة، كونوا صبارا له طبيعة تليق بالصبر والتحمل والانتظار والفرح، كونوا نخلة تعطي عاما بعد عام ولا تموت قبل أن يموت صاحبها، وكونوا زيتونا مقدسا يعيش ألف عام بلا ألم، كونوا فائدة تطرح ثمرتها كالنبات كل عام مرة أو مرتين، كونوا عطرا كالنعناع أو الريحان، كونوا أكلا وثمرا كونوا زينة تبهج الناظرين كونوا كالنبات لا يغلبكم أحد، فإن قصر النبات بالثمر لم يقصّر بالظل، وإن لم يطرح ظلا طرح تمرا، وإن كان زيتونا جلب معه زيتا، وإن كان فاكهة كان بردا وسلاما على حرّ أجوائنا، وإن خلا من هذا كله صار وردة يبتهج الناس بالنظر إليها!

كونوا أصدقاء النبات ولو بشجرة صغيرة بجوار النافذة، ولو بحديقة مترين في متر في زاوية في المنزل، ولو أصيص صغير بجوار المرآة حتى تروا النبتة نبتتين، والوردة وردتين والجمال جمالين، أحبوا الورود فإنها تكسر رتابة الألوان في بيوتكم، وطهروا أسطح منازلكم من الغبار والهجران بحوض من النباتات الصغيرة اللطيفة، وأحبوها حتى تحبكم!

كونوا أصدقاء النبات، لعل النبات يقبل بصداقتنا له، ولا تحرموا النبات صحبتكم فيحرمكم دروس اللطف والعلم الذي يملكه، فالنبات صديق أصدقائه غريب على من لا يحبه ويستبدله بالاسفلت والاسمنت وكتل البلاط والرخام والجرانيت والسيراميك وأدوات التجميل الباهتة، وفي وقت يجمل النبات بيوتكم لن يجملها الصخر والاسمنت لأنها صامتة والنبات يتكلم عربي، وكل عيد وأنتم بخير!

Halemalbaarrak@