فايد العليوي

بريطانيا بين الانسداد السياسي ولعنة الإمبريالية

الخميس - 30 يونيو 2016

Thu - 30 Jun 2016

ربما نكون محظوظين ونحن نعيش فترة أفول إمبراطورية عظمى حكمت العالم كالإمبراطورية البريطانية، إذ نتأمل كيف تأخذ الإمبراطورية مسارا تنازليا دون أن تستطيع تلافي ذلك بالرغم من إدراكها التام لهذا المآل الذي تتجه نحوه.

قضى هتلر على الإمبراطورية البريطانية كقوة سياسية تحكم العالم - بالرغم من انتصارها عليه بمساعدة أمريكا- وأخذت أمريكا مكانها كإمبراطورية واعدة آنذاك، وانكفأت بريطانيا على نفسها وعلى مشاكلها الاقتصادية.

يقول المفكر المصري عبدالوهاب المسيري في كتابه «رحلتي الفكرية»: إن بريطانيا نهبت من المواد الخام من الهند كالمطاط والخشب طيلة فترة الاستعمار ما يوازي إنتاج بريطانيا من المواد منذ نشأتها! هذا إذن هو سر سيادة الإمبراطورية «انهب ثروات الآخرين وأراضيهم لتحكم العالم».

فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية انسحبت بريطانيا المثخنة بالآلام الاقتصادية والاجتماعية طواعية من الدول التي استعمرتها مثل لبوة جريحة، وأوعزت لأمريكا الصاعدة بسد الفراغ في الممرات المائية المهمة في الشرق الأوسط والمياه الدافئة لقطع الطريق أمام الشيوعية الحمراء، وهذا الإيعاز تمخض عنه «مبدأ إيزنهاور». هنا تتجلى لنا نظرية ابن خلدون في الدولة، وحديثه عن القوة البحرية ومن يسيطر على البحار يسيطر على اليابسة.

فتحدث عن الأسطول الإسلامي وعظمته في المشرق ثم في المغرب ثم صعود الأسطول المسيحي. فبعد المسلمين جاء البرتغاليون ثم الهولنديون ثم البريطانيون فالأمريكان. ورأينا أنه متى ما ضعف الأسطول ضعفت السيطرة على البحار، وأصبحت الإمبراطورية في أفول كما أفهمنا ابن خلدون. والآن كأننا نرى بداية أفول الإمبراطورية الأمريكية بعد احتجاجات يابانيين لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية على قاعدة عسكرية بحرية أمريكية في اليابان، وكذلك نرى تقليص البنتاجون للنفقات العسكرية الأمريكية.

نعود لبريطانيا، فهي وإن فقدت سيادتها على العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية إلا أنها لم تتخل عن كبريائها وأنفتها، مما جعلها تستمر في الإنفاق العسكري دون وجود دخل مواز ولم يكن لديها مستعمرات لتنهب منها، مما جعلها تلتفت لجيوب المواطنين وترفع الضرائب للحفاظ على مستوى إنفاق عسكري باهظ. فلم ترض بوضعها السياسي ولم تستفد من التجربة الإسكندنافية التي يعيش سكانها بسلام دون طموح إمبريالي، مما جعل الموارد المالية لديهم تفيض عن حاجتهم فيتم توزيعها من جديد على مواطنيهم في أبهى صورة لدولة الرفاه الاجتماعية.

استمرار بريطانيا على مستوى إنفاق عسكري مرتفع أدى لارتفاع الضرائب، كما ذكرت، بالتالي أدى هذا المأزق لتدابير التقشف، ثم الاستثمار في الهجرة واستغلال المهاجرين للتشغيل والإنتاج ودفع مزيد من الضرائب. هنا غرقت الأحزاب الحاكمة في تفاصيل الاقتصاد دون تغيير جذري لوضع البلد، مما جعل الأحزاب الحاكمة هي الأخرى تصبح بمثابة نخب أرستقراطية جديدة بيدها المال والسياسة والإعلام وكل شيء!

هنا رأى المواطن الإنجليزي كيف أنه يدفع ضرائب باهظة، والأجنبي ينافسه في فرص العمل، والسياسي يتعامل مع قضاياه بغطرسة. وفضلا عن ذلك، تتخذ تدابير تقشف وتحملّه مسؤولية الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه البلد.

يرى مراقبون غربيون أن تدابير التقشف التي نهجها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بمثابة القشة التي أسقطت البعير، فأصبح الفكر الإمبريالي المهيمن على مخيلة النخب السياسية والأحزاب السبب الرئيس للانسداد السياسي الذي أفقد المواطن دافع الضرائب الثقة بنخبه السياسية واستغلال اليمين المتطرف لذلك.



[email protected]