فهد عبدالله

النموذج النبيل

الاحد - 03 مايو 2020

Sun - 03 May 2020

في حالة من السمو الأخلاقي الإنساني الذي يرسم مؤشر وعي ونضج متقدم، يتصرف الإنسان في صورته الفردية أو الجماعية عندما يتعامل مع الآخرين بمبدأ الأرضية أو المصلحة المشتركة أو بما يعرف العمل من خلال نقاط الاتفاق التي تجمعنا، وهذه العقلية تميط اللثام عن قدرة مرتفعة في إدارة الأمور وجلب المصلحة للجميع أو كما يعبر عنها في المنطق التفاوضي (Win. Win Case) الجميع يكسب.

وأعتقد بوجود نموذج أكثر سموا ورقيا من حالة الجميع يكسب، من خلال المصالح المشتركة وهو النموذج النبيل وهو حالة معرفة نقاط الاتفاق والاختلاف أيضا، التي بدورها ستنتقل بالوعي الفردي من مجرد كيفية الوصول للهدف والمصلحة المشتركة إلى عملية التطوير الشاملة لكلا الطرفين، بمعرفة نقاط الاتفاق والاختلاف ودوافعها ومحاولة تقييمها والاستفادة منها، والسبب بشكل مبسط أنها قد تعدل في خريطة النظر للأمور لجميع الأطراف، فتتسع دائرة الاتفاق والأهم من ذلك حالة التطوير البشري المستمر في تقويم الأمور والدوافع والاعتقادات.

الفائدة الكبرى من هذا النمط في السلوكيات الواعية تجاه التعامل مع الآخرين تعود على الشخص نفسه قبل الآخرين، بحيازة غلة متزايدة ومستمرة في التطوير الشخصي والرقي الإنساني في أبهى صورة، فضلا عن اكتشاف خيارات مذهلة جدا لم تكن بالحسبان لولا هذه الطريقة الأنيقة والمنفتحة والحكيمة تجاه النظر إلى الآخر، ورغم ما تحويه من الفوائد المحسوسة وغير المحسوسة، إلا أنها صعبة التحقيق مع وجود بعض الصفات والعوائق، ونذكرها هنا كنوع من أن تجاوزها يفضي إلى تحقيق بعض متطلبات النموذج النبيل، مثل:

• الانتماء المتطرف الذي يعوق النظر، من السنن الاجتماعية الطبيعية أن يكون للإنسان انتماءات متعددة تجاه مثلا العائلة المدينة النادي الرياضي ..إلخ، ولا يمكن الوصول للنموذج النبيل مع وجود هذه الانتماءات المتطرفة التي تحجب فكرة النظر إلى ما عند الآخرين، فضلا عن تحليلها وتقييمها بشكل موضوعي.

• عقلية إن لم تكن معي فأنت ضدي، هذه العقلية والطريقة في التناول الذهني تهدم وجود فكرة الأرضية أو المصلحة المشتركة فكيف لها أن تنتقل خطوة أخرى بمعرفة نقاط الاختلاف وتفهمها وتقييمها.

• الأنا المتضخمة التي تجعل من النفس بمثابة المواصفات القياسية، التي على أثرها سيتكون لديها أحكام فورية بصحة تصرفات أو أخطاء الآخرين، الإشكال هنا في أمرين، الأول التعامل مع الآخرين وكأنهم أشياء وليسوا ذوات إنسانية، وهو يهدم ركن الاحترام الذي هو أساس التعامل مع الآخرين، والثاني كيف يمكن الانتقال لخطوة معرفة نقاط الاتفاق والاختلاف، وهذه المواصفة القياسية غير قابلة للتحديث أو لتأجيل الأحكام.

• عقلية الندرة وهي عقلية تنظر إلى الأمور بشكل محدود من خلال ندرة الفرص ومحدودية الخير، وأن الصراع والتنافس هو شكل يأخذ حيزا كبيرا في التفكير والتصرفات، ولا يمكن الوصول للنموذج النبيل إلا بتحجيم عقلية الندرة وتنامي عقلية الوفرة.

• العقلية المبرمجة التي لا تقبل مثلا معلومة أو رأيا يمس بعض القناعات السابقة، وأن ما لديها من قناعات غير قابل للتشويش أو التناول الحواري، وهذا عائق كبير للوصول للنموذج النبيل الذي إحدى أهم ركائزه الأساسية الانفتاح على الآخر والسماع لأجل الفهم والتفهم.

وجود النموذج النبيل في الحقيقة ليس مجرد حالة وعي ورقي تجاه الآخرين، بل هي حالة أنيقة جدا في التعامل مع النفس والآخرين والكون ومع خالق الكون، لكون هناك ثقة بالنفس لما هي عليه، وتواضع من خلال الإقرار الداخلي بحالة القصور البشري مهما كانت عمليات الارتقاء، ورغبة جارفة في تحقيق الهوية الذاتية بعيدا عن الضغوط الخارجية لتكوين الصور النمطية التي تعترينا ولا تعبر عنا، وفوق هذا كله أنها مصدر متوهج للتغيير الداخلي الذي يصب في جميع أشكال التغيير.

fahdabdullahz@