العريفي دلال

الرسالة الأخيرة من الإنسان إلى (كوفيد - 19)

الاحد - 03 مايو 2020

Sun - 03 May 2020

أكتب لك في أحد المساءات الجميلة من مايو عام 2025، بعد أن تحرر العالم من آثارك وآثار خطيئتك، وبعد أن غسلنا وجه الأرض مما تلطخ به بسببك. لا تتوقع مني أن أحدثك عن معاناة الناس زمن العزلة، عن حزنهم وآلامهم، أو عن قوة قلوبهم وصلابتها، عن إيمانهم الذي لم يزده الوهن إلا وهجا. لا يمكن أن أحكي لمثلك عن هذه الأمور، فهي أشياء لا يمكن أن يشعر بها إلا الإنسان «الحقيقي». لكنك تعلم أنه حين ينسى الإنسان بشريته وحقيقته، فإنه يصبح كائنا لا يمكن وصفه، أبشع منك ربما، وقد يتحول إلى كتلة تدميرية تنسف ما بقي من إنسانيته، فيقضي بها عليها، وعلى مجتمعه وعالمه.

والإنسان الحقيقي تحديدا هو من سأتحدث عنه اليوم وكل يوم مع الجميع. وسأخبر الدنيا بمن فيها بما صنع وصنعنا ذلك الزمان. الآن ندرك يقينا لا يقبل الشك، أن هذا الإنسان المستخلف في الأرض هو الوحيد القادر على إعمارها كل حين، وهو المسؤول الأول عن خرابها أيضا. والآن ازددنا إيمانا أن العلم سلاح الإنسان لمحاربة المرض، والجهل، والطغيان، وحتى للقضاء على كل أشكال الانتكاسات الفطرية!

لم تكن قضية الاستخلاف في الأرض مقيدة بزمن، ولا مرتبطة بفئة، لكنه الإنسان أينما كان، ووقتما وُجِد. ولا يمكن له أن يصبح جديرا بإعمار الأرض دون علم صالح، ودون جهد خلاق. ولتعلم الدنيا بمن فيها أن وطني كان كله إنسانا زمن العزلة! ولا أظن أن هناك نعمة أعظم من أن نرزق وطنا كهذا.

قاتل وطني أشياء كثيرة زمن العزلة، كنت أنت والتافهين وعشاق الفوضى والخرافة منها، قاتلكم برصيد العلم وسلاح العمل، مرتديا رداء الإنسان القوي على غيره، والأمين على مواطنيه وثرواته.

ربما لاحظت أثناء فترة وجودك، تواري بعض الأشخاص الذي حاولوا خداع الناس ببريق الشهرة الزائف، ودعني هنا أخبرك عنهم، لقد تضاءلوا حتى اختفت صورهم وتفاهاتهم من كل مكان. هل ذكرت لك أن العلم والوعي سيطرا على ساحات البلاد؟ وأن الوطن راهن على وعي الإنسان، فأعطاه دون حد لعطاء، ودون تفكير بخسارة، فكسب وكسبنا الرهان؟

وماذا أيضا؟ نعم، سأخبرك عن قوافل التعليم والتقنية، وكيف تطورت كثيرا، عالجت نقصها بطموح، ورممت ضعفها بإخلاص، فأصبح الكل يسابق الكل في تقديم قوالب العلم والمعرفة والتدريب بسخاء وحب للجميع، ومن قاوم التعليم عن بعد بالأمس، أصبح رائدا من رواده.

وليس هناك حاجة للحديث عن الأثر الكبير في إقبال الطلاب والموظفين على مصادر التنمية والتعلم الذاتي. كما أن القيادة وإدارة الأفراد عن بعد صارت فعالة أكثر مما توقع الكل، فالأعمال تدار بكفاءة، والإنجازات تتحقق باستمرار.

هذه الأشياء لم تكن لتحدث لولا توفيق من الله، ثم جهود الإنسان المخلص على هذه الأرض، من قادة البلاد، إلى حراس الأمن، وحماة الصحة، ورواد التعليم، وانتهاء بوعي المواطن الذي تضيف له التجارب ولا تأخذ منه، وتبنيه المواقف ولا تهدمه، ويزيده العلم وعيا كبيرا، فينسكب خيرا كثيرا على بلاده.

أعتقد أنه حان الوقت ليدرك الجميع أن لا شيء يستطيع هزيمة الإنسان إلا الإنسان نفسه، وأن السلامة بالعلم والإيمان باب مفتوح، وأن الخسارة كل الخسارة في إغلاقه.

@darifi_