عيد الفايدي

جبل رضوى

الاحد - 26 أبريل 2020

Sun - 26 Apr 2020

جبل رضوى من سلسلة جبال السروات التي تمتد من حقل شمالا إلى جازان جنوبا. وهو جبل مشهور منذ القدم شهرته تجاوزت الحدود وارتبطت به أمثال وأبيات من الشعر ومواقف كثيرة. ومن بين تلك الأمثال قولهم «أثقل من رضوى» وورد في كتب التاريخ «أن عمرو بن العاص رضي الله عنه لما نزل به الموت قال له ابنه: يا أبتِ قد كنت تقول: إني لأعجب من رجل ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه؟.. فقال: يا بني الموت أعظم من أن يوصف! ولكن سأصف لك منه شيئا، والله لكأن على كتفي جبال رضوى وتهامة».

وورد في الأمثال: أخطب من قس بن ساعدة وأكرم من حاتم الطائي وأثقل من رضوى.

وكذلك ورد رضوى في قول المتنبي:

ما كنت آمل قبل نعشك أن أرى

رضوى على أيدي الرجال يسير

وقول كثير عزة:

ولو وزنت رضوى الجبال بحلمه

لمال رضوى حلمه ويرمرم

وقول أبي العلاء المعري:

يهم الليالي ما أنا مضمر

ويثقل رضوى ما أنا حامل

ومن خلال الاطلاع على خرائط قوقل يتضح أنه ليس جبلا وحيدا، بل هو مجموعة من الجبال المتكاتفة التي تشكل دائرة جبلية يتجاوز قطرها من الطرف الشرقي إلى الطرف الغربي أكثر من 27 كلم وبارتفاع بصل إلى 2300 متر وحول هذه الدائرة القرى المحيطة بها مثل تلعة نزا، النجف، ينبع النخل، العشيش وغيرها.

وشارك عباس محمود العقاد رحمه الله بوصف جبل رضوى شعرا:

جناحين لو طارا لنصت فدومت

شماريخ رضوى واستقل يلملم

أما الجانب التاريخي يبرز مكانة وثقل رضوى من خلال ارتباط هذا الجانب ببعض الشخصيات التي كان لها دور في تاريخ هذا الوطن منها المحادثات التي تمت مع الملك فاروق على جانب شاطئ يعرف بذلك الوقت باسم خليج رضوى، وفي ذلك قال المؤرخ فؤاد شاكر والذي كان مرافقا للملك عبدالعزيز - رحمهما الله - قصيدة عنوانها: تحية رضوى.

والشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - فله موقف طريف ورد في كتابه بلاد ينبع: حيث كان يشرح لطلاب الصف السادس عن جبل (رضوى)، يقول (فكان مما قلت في أول يوم دخلت فيه المدرسة وفي أول درس ألقيته:

«رضوى جبل قريب من المدينة، سهل ترقاه الإبل». ولعلي رجعت في ذلك إلى أحد شروح مقامات الحريري، فما كان من الطلاب عندما سمعوا هذا الكلام مني إلا أن قالوا بصوت واحد: لا يا أستاذ! ها هو جبل رضوى أمامك - وكانت النافذة مفتوحة - وليس قريبا من المدينة، ولا تستطيع الإبل أن ترقى أعلاه. سررت بهذا التصحيح، وشكرت الطلاب، وبينت لهم أن أكثر الذين يحددون المواضع في بلاد العرب كانوا يعتمدون على النقل، وما كانوا يكتبون عن مشاهدة. فجاءت كتاباتهم ناقصة خاطئة، وحمدت لتلاميذي موقفهم.

من هذا الموقف الطريف يتضح النقاش المتميز بين المعلم والطلاب بالرغم أنهم في مرحلة التعليم الابتدائي.

ولا بد من الإشارة للبيئة الفريدة لمجموعة رضوى الجبلية، وهي ثقيلة الحجم وعالية الارتفاع التي ساهمت بظهور سمات وصفات فريدة ونادرة في شبه الجزيرة العربية، ويمكن وصف تلك البيئة بأنها محمية طبيعية نباتية وحيوانية في الوقت نفسه فالقرب من شواطئ البحر الأحمر ساهم بالنقل اليومي للسحب التي تصل بكل سهولة ويسر إلى رؤوس جبل رضوى، والتي سميت منذ القدم بالشماريخ، حيث قال حسان بن ثابت:

لنا حاضر فعم، وباد كأنه

شماريخ رضوى عزة، وتكرما

والشيخ صالح بن سليمان النزاوي - رئيس مركز تلعة نزا - يصف البيئة الطبيعية لمنطقة رضوى بقوله: إنها تتميز بالتنوع والتفاوت وهي أكثر ارتفاعا من جبل الهدى. وفيها أكثر من 2000 نوع من أنواع النباتات والأشجار النادرة مثل شجر البن والهيل والقرنفل وأشجار أخرى، أما الحيوانات فوجدت في الكهوف الطبيعية في الجبل مكانا مناسبا، فهناك أنواع نادرة مثل النمر العربي وانواع من الماعز البري والغزلان، إضافة إلى أنواع من الطيور المهاجرة والمستقرة.

إلى أن يقول الشيخ صالح "يتوفر في الجبل معادن مختلفة مثل الحديد والزنك والجرانيت إضافة لتوفر العسل الجبلي الذي يعد من أفضل أنواع العسل".

والوصول إلى سفح الجبل سهل جدا فهو لا يبعد عن الطريق السريع سوى 30 كم لكن هذا الطريق يصل إلى سفح الجبل فقط، ولا يمكن الوصول إلى قمته بسهولة. والطريق داخل الجبل يمثل صعوبة حتى للإبل وهذه الصعوبة ساهمت بوجود بيئة منعزلة عن المحيط القريب منها وانتشرت الحكايات التي تروى عن شخصيات قديمة وحديثة لها قصص وأساطير بحاجة للتحقيق والتثبت والدراسة.

ومن تلك الجوانب التي يمكن أن تدرس عن هذه الكتلة الجبلية الفريدة جانب السياحة، وجوانب الاستثمار والتنمية الاقتصادية من خلال تأسيس شركة استثمارية مرتبطة بالجهات الاستثمارية في البنوك (أو الجهات الاستثمارية) تعنى بمشروعات متنوعة وفق خطط تحقق أهدافا وموارد اقتصادية تساهم في التنمية الشاملة لهذا الوطن، وتكون رد اواقعيا على كثير من روايات الخيال والأساطير المنتشرة في الصفحات الرقمية والورقية عن جبال رضوى.

ealfaide@