بندر الزهراني

لولاها لما تمشيخ درويش ولا تنمر قط!

السبت - 25 أبريل 2020

Sat - 25 Apr 2020

قبل بضعة أيام كتبت مغردا حول قرار وزارة التعليم المتعلق بإلغاء اختبارات ونتائج الفصل الدراسي الثاني في مراحل التعليم العام، وقلت: إنه منذ بداية أزمة «فيروس كورونا» ونحن نقول للمسؤولين في الوزارة افعلوا كذا، ودعوا التردد والتخوف جانبا، والحمد لله أنهم أخيرا فعلوا ما كان يجب أن يفعلوه، والفرق بين ما قلناه لهم سابقا وما فعلوه اليوم، أنهم حاولوا هكذا كيفما اتفق إنهاء المقررات الدراسية بأي شكل كان، وسعوا إلى إثبات أن التعليم عن بعد بديل ناجح بغض النظر عن أدواته ومدى جهوزية أنظمته، وأصروا على أن استمرار العملية التعليمية صواب مهما كان، وفي النهاية لما وجدوا عكس ما توقعوا عادوا إلى نقطة البداية!

في ظل بحبوحة الوزارة وكرمها وسخائها مع الطلاب والطالبات، والذي - بالمناسبة - لست ضده، اندفع بعض الأساتذة الجامعيين، إما تسرعا وحماسا أو قصدا لأغراض شخصية وحاجات في أنفسهم، وبدؤوا في التسابق فيما بينهم، أيهم أكثر إكراما لطلابه وكيلا في منح الدرجات لهم، في أجواء بدت وكأنها أقرب ما تكون لأجواء البازارات الخيرية أو حراج في إحدى الأسواق الشعبية، حتى بلغ الحال بأحدهم أن يمنح كل طلابه الدرجة الكاملة، وآخر يرسل لطالباته اختبارا الكترونيا ومعه حلوله النموذجية، وأنا هنا لست بصدد الحديث عن أستاذ بعينه، وإنما أتحدث عن شريحة ليست بالقليلة من الأكاديميين، تمارس أنماطا غريبة من التصرفات الخاطئة، والسلوكيات المتطرفة، والخارجة على الأنظمة المعمول بها في الجامعات المحلية، بل حتى في الأعراف الأكاديمية، وهذا ما يقود إلى فوضى في السلوك التنظيمي وتمرد في الشخصية لدى مجموعة كبيرة من أبنائنا وبناتنا.

الأمر الذي يظهر جليا واضحا، خاصة إذا ما نظرنا إلى تفاوت التقييم بين الأساتذة، فهذا يعطي وذاك يمنع، وهذا يرغّب وذاك يرهّب، والطالب حاله متذبذبة بين هذا وذاك، يمدح هنا تارة، ويذم هناك تارات وتارات، ومثل هذه التصرفات في الإجمال سواء كانت عن قصد من الأساتذة أو عن جهل تنتج جيلا مهزوزا، هشا متواكلا، ودون المستوى المأمول، ولا يمكن الاعتماد عليه في البناء والتطوير، فضلا عن أن يقود رؤية وطنية متكاملة، بل ربما بمثل هذه السلوكيات ننزع من أنفسهم الثقة، ونزرع فيها ما لا يمكن تداركه لاحقا، فمن يشحذ درجة نجاح في الجامعة هو كمن يشحذ ريالا في الطريق! فهذا الأستاذ يتصدق عليه، وذاك ينهره ويزدريه، وثالث يمنّيه فيبخسه حقه أو يوفيه، وكل هذا في المحصلة ومع مرور الوقت يرتد سلبا في نفوس وعقول أبنائنا وبناتنا من الطلاب والطالبات، شئنا أم أبينا، فإذا تخرجوا في الجامعات ولم يجدوا أعمالا تناسب درجاتهم المرتفعة حينئذ سنكتشف أنه لا طائل من مجابهة البطالة في صفوفهم أو محاربة الفساد في أنفسهم لا قدر الله!

أي نعم، الحالة التي نمر بها هذه الأيام حالة استثنائية، والظروف حرجة وطارئة، لكنها في الوقت نفسه ليست مبررا مقبولا لمثل هذه التصرفات غير المسؤولة، بل على النقيض تماما، كان يفترض أن تكون هذه الأزمة وغيرها من الأزمات دافعا قويا نحو التميز والتفوق! ولكن الأغرب والأعجب من التصرفات نفسها أو التبرير لها وجوم الوزارة وصمتها عنها، وهنا أتساءل: ألم يكن بوسع الوزارة وهي التي ما فتئت تتحدث عن الانضباط والمسؤولية أن توجّه مديري الجامعات إلى الالتزام بالأنظمة واحترامها وتطبيقها؟! لأن الوزارة إن فعلت فسيكون في توجيهها تحقيق للانضباط الإداري والنزاهة ومبادئ العدل والمساواة، وقبل ذلك توافق مع المنطق السليم!

ما يمارس اليوم في الجامعات المحلية ليس مجرد تصرف شخصي أو اجتهاد فردي لأكاديمي مندفع أو مهووس يبحث عن الإعلام والبهرجة، أو طقوس كلاسيكية وحالات نفسية عابرة لدى بعض الأكاديميين تبرز فترة ثم تخبو، لا، بل هي إشكالية قائمة، وظاهرة تستوجب البحث والدراسة، وتتطلب استحضار ميثاق الشرف الأكاديمي، وتستدعي المتابعة الدائمة والرقابة الصارمة، على أعلى المستويات وفي كل الإدارات، فلولا تقديم المصالح الشخصية في العمل الإداري، ولولا المجاملات المحسوبة والانصراف للهوامش، والتساهل في تطبيق الأنظمة لما حدث ما حدث ولما تمشيخ بالمنصب درويش، لولاها! نعم لولاهم لما استأسد فأر ولا تنمّر قط!

drbmaz@