عبدالله المزهر

سرقوا حتى مهنة اللصوص..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 20 أبريل 2020

Mon - 20 Apr 2020

قرأت مثلكم خبر قضية الفساد الأخيرة التي أعلنت عنها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد المتعلقة باستغلال أزمة كورونا، واستغلال الدعم الحكومي في التكسب غير المشروع وكذلك بيع التصاريح، وبقية تفاصيل الخبر الذي أظن أن الجميع قد اطلع عليه، واستاء منه واستقطع جزءا من وقت فراغه في الحجر لكيل الشتائم المستحقة على اللصوص السابقين واللاحقين، ومن اهتدى بهديهم واتبع ضلالهم إلى يوم الدين.

وبما أنها بلا أسماء وما زال المتهمون لم يصدر بحقهم أحكام بعد، فإن الحديث هنا لن يكون عن هذه القصة تحديدا، ولكنه حديث عن الفساد بشكل عام.

وقد كنت حين أسمع بمثل هذه القصص عن الفاسدين في أوقات الأزمات أتوقف كثيرا للتفكير في القدرة العجيبة لدى هؤلاء على استغلال كل شيء، حين تكون الأوضاع الاقتصادية ممتازة والحياة مستقرة وكل شيء يسير على ما يرام فإنهم يجدون في ذلك فرصة ذهبية لمد أيديهم في جيوب الناس، وفي جيب الحكومة، وفي كل جيب يمكن الوصول إليه.

وحين تكون الأوضاع متأزمة والوضع الاقتصادي والاجتماعي ليس في أحسن أحواله فإنهم أيضا يرون في ذلك فرصة لا تختلف عن الأولى، كل الأوضاع والأحوال مهما اختلفت وتباينت تعتبر بالنسبة لهم بيئة خصبة لسرقة الناس والمجتمعات والدول. لديهم قدرة عجيبة على تكييف العقبات لتكون مبررات.

وأظن الإنسان حين اكتشف السرقة للمرة الأولى - لا أعلم من هو صاحب براءة الاختراع - كان يجد فيها حلا صعبا ومحتقرا لمقاومة الموت، سرق في المرة الأولى ليعيش، ثم تخلى المعدمون عن هذه العادة تدريجيا حين أصبحت السرقة ترتكب من أجل الثراء. وأصحبت عادة للأثرياء والمتنفذين والذين لا يخشون الموت جوعا. أي إنه يمكن القول إن لصوص اليوم سرقوا حتى المهنة من أصحابها الأصليين، الذين كانوا يسرقون ليأكلوا ويعيشوا، وأصبحت المهنة في يد من يسرق حتى لا يأكل ولا يعيش أحد سواه.

واللصوص الأوائل كانوا - في غالبهم - يتمتعون بالحد الأدنى من الإنسانية، كان يعاب على اللص أن يسرق محتاجا أو أن يستغل وضع بائس، وحين يقفز لص إلى بيت أحدهم ويجد أن هذا البيت لا يكاد يجد ما يسد رمقه فإنه يخجل من سرقته.

أما لصوص اليوم - في مجملهم - لا يمتلكون هذا الحد الأدنى، وتوغل أيديهم في استغلال حاجات الناس ومرضهم ومصائبهم، فأضافوا إلى رزية اللصوصية رزايا أخرى كالنذالة والوقاحة والخسة ودناءة النفس.

وعلى أي حال..

إن من يتلاعب في مناقصة أو يحتكر سلعة في وقت الأزمات، أو يستغل منصبه في التكسب منه أكثر إجراما ووضاعة ممن يقتحم منزلا أو يسرق محفظة في مكان عام، لأنه سرق من غير حاجة أولا، وثانيا لأن أداته في ممارسة لصوصيته كانت «الثقة»، فهو بالإضافة إلى أنه لص فهو خائن لثقة من اعتقد أنه مأمون على ما تستطيع يداه أن تصله من «أموال الناس».

agrni@