حسن علي العمري

العشوائيون

السبت - 18 أبريل 2020

Sat - 18 Apr 2020

كانت فكرة رائدة وخلاقة تلك التي ظهرت بوادرها في مدينة جدة مع قدوم الأمير خالد الفيصل لإمارة منطقة مكة المكرمة، والمتضمنة القضاء على العشوائيات والأحياء الشعبية التي كانت وما زالت عبئا ثقيلا على الدولة ومؤسساتها الخدمية، وما يشكله قاطنوها من خرق عميق وتقويض للنسيج الاجتماعي وتغيير للديموغرافية السكانية.

صدر قرار مجلس الوزراء مؤخرا بتحويل إدارة مشروع جدة التاريخي إلى برنامج لإعادة تأهيلها وتطويرها عمرانيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، ليكون بمثابة البشرى لنا جميعا مع الأمل في شمول هذه المكرمة كل المواقع المشابهة في المدن المختلفة، وقد أضحت بؤرا للأوبئة وللجريمة المحلية والعابرة وموطن استقطاب للفئات المنحرفة والمخالفة لأنظمة الدولة الداخلية أو نظام أمن الحدود، وأضحت تشكل طابورا خامسا سنرى منه ما يسوؤنا إن لم نتدارك ذلك.

وما نتج عن بقاء حالها على ما هو عليه لعدة عقود أن تمددت تلك الأحياء العشوائية وتوسعت أفقيا ورأسيا، وازدحمت الشعبية منها في ظل نزوح كثير من ملاكها الأصليين إلى الأحياء الجديدة، وساعد في نشوء هذا الكانتونات توفر كل الخدمات والبنى التحتية فيها بأسعار زهيدة، فاستقطبت كل آبق من وجه العدالة ومتسلل للبلد ومخالف لأنظمته، كونها تشكل بيئة ضامنة لبقائه حرا طليقا لأطول فترة ممكنة، في ظل توفر متطلباته المعيشية والفسيولوجية، وضمان وجود دخل عال وفق ما يمارسه أو يشتغل به.

الصورة اليوم تتشكل أمامنا بجلاء لا يدع عذرا لمعتذر يبرر، الأهمية الوطنية الآن لوجوب القضاء على كثير من الظواهر السلبية مرتبطة النشوء والتنامي في هكذا بيئات بتجفيف منابعها، بالمسارعة في البدء بإتمام السير في تنفيذها، ولا سيما في العواصم الإدارية لمناطق المملكة كمرحلة أولى، وفق مقتضي الحاجة والأولوية لكل منطقة، بعد أن ظهر لنا جليا من خلال أزمة كورونا الحالية ما كان مسكوتا عنه وبالذات في المدينتين المقدستين وغيرهما.

هؤلاء قفزوا في غالبهم الأعم على معطيات التنمية في الوطن ومنجزاته، فاستهلكوها وشوهوا الأهداف والغايات منها، ونشروا جهلهم وتخلفهم وقاذوراتهم عن سابق عمد، وسعوا إلى تعطيل ذلك بأفعال مقصودة ونوايا مبيتة ومخطط لها، مستغلين الدين وتعاطف الدولة والمجتمع أسوأ استغلال وما خفي أعظم.

ولنا في مناظر التلوث البصري بالعاصمة المقدسة وفي عدد من أحيائها من التزاحم البشري وتراكم المخلفات ما يندى له الجبين، من مشاهد مؤذية لا تخطئها عين القادمين إليها من كل دول العالم الإسلامي من بوابتها الكبرى مدينة جدة، وقس على ذلك بقية الأحياء المشابهة لها في مدن عدة، ثم ما رصد منهم في هذه الأزمة وقبلها وما بعدها من كونهم بيئة حاضنة لتكاثر هذا الوباء الذي ينتشر بسببهم ويقوّض الجهود المبذولة والخطط المرسومة، مما يتطلب المسارعة بإعادة النظر في تأهيل وتخطيط هذه الأحياء ومثيلاتها في المدن الأخرى، مع وضع الحلول اللازمة للمخالفين والمتخلفين، وتجفيف منابع تكاثرهم وتواجدهم، فكل دولة أولى برعاياها، فلا يبقى على أرض الوطن إلا مقيم معلوم ملتزم بحدود النظام وما تقره الدولة ويكون إضافة علمية أو عملية متميزة، فقد تجاوزنا أن نكون معهدا مهنيا لتدريب العاطلين في جميع الدول.

إن ما كان صالحا بالأمس لم يعد صالحا اليوم، ولا يجوز التسويق لشيء من ذلك تحت أي ذريعة، فهؤلاء من هذه الفئات لم يكن حالهم هكذا لو لم يجدوا من يحتضنهم من أبناء جلدتهم أو من ضعاف النفوس من أبناء الوطن، كتجار التأشيرات أو المتسترين أو أصحاب المباني الشعبية التي تؤجر بثمن بخس عليهم، وغيرهم من المتعاطفين وفاقدي الوطنية، أو المتسلقين عليها الذين برهنوا أنهم أسّ الداء، ولو وصل بعضهم أعلى المناصب من بعض الفاسدين وناكري الجميل ممن شرعن لذلك بحكم موقعه الوظيفي، فسهّل لهم سبل تواجدهم واستمرارهم وقبض بشكل مباشر أو غير مباشر ثمن ذلك.

عند نشوء إشكالية ما وتناميها والتهوين من آثارها من البعض، ما علينا إلا البحث عن السبب في وجودها والمستفيد منها، نتذكر كم دمرت هذه الأوكار المفتعلة من قدرات لا حصر لها من شباب الوطن، بحقنهم بالأمراض والأوبئة والمخدرات، وبالانحرافات وسوء السلوكيات التي تستهدف تقويض المجتمع وهدمه من خلال استهداف هذه الفئة، أما وقد انكشف المستور وبانت النوايا، فماذا نحن فاعلون أمام هذه القنابل الموقوتة؟ أعتقد حد الجزم أننا لن نعدم إيجاد الوسيلة وتحقيق الغاية، فتجاربنا شاهدة على قدرتنا، ولنا في تطوير حي العوامية مؤخرا خير شاهد.

[email protected]