المحاماة في زمن الكورونا
السبت - 11 أبريل 2020
Sat - 11 Apr 2020
انقضت منذ أيام ورشة العمل التي أقامتها الهيئة السعودية للمحامين، والتي سلطت الضوء على تأثير وتبعات أزمة فايروس كوفيد19 على قطاع المحاماة والمنتسبين له بشكل مباشر.
وإحقاقا للحق فقد جسدت هذه الورشة المثال الأروع لمدى الوعي الذي بات المحامون يتسلحون به من حيث مقدرتهم على استقراء الواقع الذي تمر به المهنة، ومدى المقدرة على التأقلم مع الأزمة الحالية وفقا لمقتضياتها، من حيث أهمية الانتقال بالمهنة وطريقة ممارستها من المدرسة القديمة التقليدية في تقديم الخدمة القانونية إلى مرحلة التعامل المحترف، الذي أصبح الطريق الأمثل لتجاوز تبعات أزمة كورونا، وضمان استمرارية هذه المكاتب وبقائها على قيد الحياء.
ولعلي فيما يلي ألخص أبرز تبعات هذه الأزمة والتحديات والحلول اللازمة التي يتوجب على أبناء المهنة الالتزام بها خلال الفترة المقبلة للخروج بأقل الخسائر، على ضوء مخرجات الورشة آنفة الذكر.
لعل أبرز التحديات أو السؤال الأهم الذي ناقشته الورشة هو عن التبعات الحالية لأزمة كورونا على مكاتب المحاماة؟ وهنا ينبغي لنا أن نسلط الضوء على أنواع مكاتب المحاماة التي تقدم الخدمات القانونية للأفراد أو للشركات، وتوضيح أثر هذه الأزمة على كل نوع على حدة.
1. المكاتب الفردية: وهي المكاتب المحلية التقليدية القائمة على شخص واحد.
2. المكاتب الإقليمية والعالمية: وهي المنظومات والشركات القانونية التي تقدم الخدمة وفقا للمعايير العالمية، والتي لن أخوض بتبعات الأزمة عليها، على اعتبار أن لديها آلية كاملة واتزانا ماليا كافيا لتجاوز هكذا أزمات، حيث إنها تمتلك المقدرة على ممارسة العمل بشكل مؤسسي، عن طريق لجان إدارة الأزمة بهذه المكاتب، إضافة إلى الضخ المالي الهائل الذي يمكن أن يكون متوفرا طيلة استمرار الأزمة أو على أقل تقدير لفترة أطول من غيرها من المكاتب.
3. المكاتب المحلية أو المتوسطة: وهي المكاتب التي تمارس المهنة بقدر المستطاع وفقا للمعايير العالمية. وهذه المكاتب التأثير عليها سيكون أخف، باعتبار أن لديها مرونة للتعاطي مع الأزمات من حيث ثقافة العمل عن بعد، واستباقية أتمتة كامل ملفات العملاء، كما أن الموظف يستطيع الوصول إلى المعلومة الخاصة بشكل ميسر، والطلب الوارد من العميل يجري التعامل معه من أي مكان، دون الحاجة إلى التواجد في مقر العمل، كما أن هذه المكاتب لديها عدد لا بأس به من الملفات والقضايا التي تمكنها من الحصول على اتزان مالي مستقر نسبيا، وأخيرا القيمة التشغيلية ليست بذاك الارتفاع.
وعليه، فإنه مع بعض الترشيد والهيكلة الصحيحة والاستعداد المتزن لمرحلة ما بعد هذه الجائحة، يمكن أن تستمر مده أطول، وإعادة أولوياتها بما يضمن الاستمرارية وتجاوز هذه الأزمة.
• إذن نحن أمام تبعات قد تكون مؤثرة سلبا بشكل مباشر على مكاتب النوع الأول، أي المكاتب الفردية، باعتبار أن هذا النوع من المكاتب يمارس العمل بالطريقة التقليدية، وهي الطريقة الارتجالية في أخذ القرار، والتي من الصعب أن تتكيف مع التبعات الحالية والمستقبلية بشكل مدروس، كما أن ضعف فهم الأطر الإدارية الأساسية التي يحتاجها مكتب المحاماة، سواء كانت إدارة الموارد المالية والبشرية أو إدارة ملفات العملاء وأعمالهم، إضافة إلى محدودية الملفات وانخفاض التدفق المالي الدوري لهذه المكاتب؛ باتت سببا رئيسا في إنقاص القيمة المهنية لهذه المكاتب.
وعليه، فإن عدم مقدرة المحامي على التكيف مع الأزمة الحالية وبأدوات تتناسب مع الوضع الراهن، وعلى رأسها الانتقال الفوري أو على المدى القريب إلى طريقة خدمة العميل بشكل افتراضي وبشكل محترف يختلف عن الوضع الذي كان سائدا لسنين؛ أتوقع سيضع هذا النوع من المكاتب في دائرة الخطر وقد يدفعه للخروج من السوق أو لن يكون له دور فاعل ما بين المكاتب الموجودة، سواء كانت محلية أو عالمية.
• ثاني هذه التحديات يتلخص في مدى أهمية التحول الرقمي، أو إن صح التعبير الالكتروني، للمكاتب تكاليف، وهل هذا التحول يصاحبه تكاليف عالية لا يمكن للمكاتب تحملها؟
وحتى نتمكن من الإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نفرق بين التحول الالكتروني الكامل أو ترميم الأدوات التقنية الحالية داخل المكاتب.
عليه، إذا هذا التحول في حال كان من نقطة الصفر ودون أي أرضية سابقة، من الطبيعي أن تكون تكلفته مرتفعة، مع الوضع في الاعتبار أن المنتج التقني يسري عليه ما يسري على أي منتج آخر، من حيث إن أي منتج سيكون قابلا لانخفاض في قيمته على حسب التقنيات التي يصاحبها، ويقابل هذا النوع منتج متطور بقيمة أعلى، وأخيرا المنتج ذو التقنية العالية قيمته سوف تكون باهظة.
ولكن السؤال الأهم الذي يجب الإجابة عنه في هذا السياق: هل اللجوء إلى التحول الرقمي ما زال من الرفاهيات أو من أساسيات المهنة؟
الجواب أنه لو اقتنعنا بعد هذه الأزمة أن التحول الالكتروني بات من الأساسيات، فقيمته المرتفعة لن تكون معضلة للمكاتب، باعتبار أنه أصبح من الاحتياجات الرئيسية للاستمرارية والتطور، خاصة لو لمس المحامي الاختصار الهائل في الوقت، وهو المنتج الأهم في مكاتب المحاماة، والذي من الممكن أن تمنحه إياه هذه البرامج التقنية.
وبناء على ما سبق فإن كل هذه الأطروحات لن يكون لها جدوى فعلية ما لم تقترن ببعض الحلول التي يمكن للمنتسبين للمهنة الالتفات إليها، للخلوص إلى حل يتناسب مع وضع المحامي في هذه المرحلة، مما يعني أنه بات لزاما علينا كمنتسبين لهذه المهنة الاهتمام بأربعة ملفات هامة، والتعامل معها بحرص شديد كخارطة طريق للمرحلة المقبلة، وهي:
الملف الأول
العميل الحالي لدى المكتب وكيفية الحفاظ عليه. أرى أن هذه الأزمة ستكون الاختبار الحقيقي للعلاقة بين المكتب والعميل، فالمهم التواصل مع العملاء الحاليين وتوضيح الأمور القانونية الحالية لهذه الأزمة، وحقوقهم والتزاماتهم كتبعات لهذه الأزمة، وتوثيق دور المحامي مع الشركة كبصمة تميز هذا الدور.
الملف الثاني
استشعار الجانب المضيء من هذه الأزمة، من حيث الطلب العالي على الخدمات القانونية التي سيكثر اللجوء إليها بعد انفراج هذه الجائحة، فالمحامي الذي سيتمكن من تقديم الخدمة بالجودة العالية وفي الوقت المناسب بتكلفة مناسبة سيكون له السبق في قطف ثمرة هذا الاحتياج.
الملف الثالث
إعادة هيكلة إدارة الوقت والموارد المالية بطريقة الإنفاق والترشيد، من حيث إن البنود الجالبة للدخل والتدفق المالي يجب رعايتها بالوقت والمال وبشكل مدروس، كالتسويق وأساليب تنمية العملاء، وما يقابلها من ترشيد في أي بنود من الكماليات، التي لا يمكن ترجمتها وتحويلها لدخل إضافي بالمكتب.
الملف الرابع
التفكير في موضوع التكتلات والتحالفات المهنية بشكل جدي، من حيث البحث على شراكات فاعلة يمكن للمحامين التكيف معها، وتحمل الضغط المالي من خلالها على المدى البعيد.
أخيرا، أرى أنه من المهم في الفترة المقبلة أن يتجنب المحامي التفريط في أي من مكتسباته الحقيقية، وهي فريق العمل والكوادر المدربة في مكتبه لمجرد أنه وصل لبعض العجز في الوفاء ببعض الالتزامات تجاه الفريق، حيث إن المحامي ذا النظرة القاصرة سيفقد هذه
المكتسبات مع بعض التوفير للمصروفات، لكنه بالتأكيد سيجد في الجهة المقابلة محاميا آخر لديه نظرة ثاقبة واستقراء للمستقبل، سيتبنى هذه الكفاءات ويستفيد منها في المستقبل القريب.
داعيا المولى أن تنفرج هذه الأزمة، وأن تكون هي الخير الذي يكمن في الشر، وأن يجنبنا وإياكم كل مكروه.
@Firastrabulsi1
وإحقاقا للحق فقد جسدت هذه الورشة المثال الأروع لمدى الوعي الذي بات المحامون يتسلحون به من حيث مقدرتهم على استقراء الواقع الذي تمر به المهنة، ومدى المقدرة على التأقلم مع الأزمة الحالية وفقا لمقتضياتها، من حيث أهمية الانتقال بالمهنة وطريقة ممارستها من المدرسة القديمة التقليدية في تقديم الخدمة القانونية إلى مرحلة التعامل المحترف، الذي أصبح الطريق الأمثل لتجاوز تبعات أزمة كورونا، وضمان استمرارية هذه المكاتب وبقائها على قيد الحياء.
ولعلي فيما يلي ألخص أبرز تبعات هذه الأزمة والتحديات والحلول اللازمة التي يتوجب على أبناء المهنة الالتزام بها خلال الفترة المقبلة للخروج بأقل الخسائر، على ضوء مخرجات الورشة آنفة الذكر.
لعل أبرز التحديات أو السؤال الأهم الذي ناقشته الورشة هو عن التبعات الحالية لأزمة كورونا على مكاتب المحاماة؟ وهنا ينبغي لنا أن نسلط الضوء على أنواع مكاتب المحاماة التي تقدم الخدمات القانونية للأفراد أو للشركات، وتوضيح أثر هذه الأزمة على كل نوع على حدة.
1. المكاتب الفردية: وهي المكاتب المحلية التقليدية القائمة على شخص واحد.
2. المكاتب الإقليمية والعالمية: وهي المنظومات والشركات القانونية التي تقدم الخدمة وفقا للمعايير العالمية، والتي لن أخوض بتبعات الأزمة عليها، على اعتبار أن لديها آلية كاملة واتزانا ماليا كافيا لتجاوز هكذا أزمات، حيث إنها تمتلك المقدرة على ممارسة العمل بشكل مؤسسي، عن طريق لجان إدارة الأزمة بهذه المكاتب، إضافة إلى الضخ المالي الهائل الذي يمكن أن يكون متوفرا طيلة استمرار الأزمة أو على أقل تقدير لفترة أطول من غيرها من المكاتب.
3. المكاتب المحلية أو المتوسطة: وهي المكاتب التي تمارس المهنة بقدر المستطاع وفقا للمعايير العالمية. وهذه المكاتب التأثير عليها سيكون أخف، باعتبار أن لديها مرونة للتعاطي مع الأزمات من حيث ثقافة العمل عن بعد، واستباقية أتمتة كامل ملفات العملاء، كما أن الموظف يستطيع الوصول إلى المعلومة الخاصة بشكل ميسر، والطلب الوارد من العميل يجري التعامل معه من أي مكان، دون الحاجة إلى التواجد في مقر العمل، كما أن هذه المكاتب لديها عدد لا بأس به من الملفات والقضايا التي تمكنها من الحصول على اتزان مالي مستقر نسبيا، وأخيرا القيمة التشغيلية ليست بذاك الارتفاع.
وعليه، فإنه مع بعض الترشيد والهيكلة الصحيحة والاستعداد المتزن لمرحلة ما بعد هذه الجائحة، يمكن أن تستمر مده أطول، وإعادة أولوياتها بما يضمن الاستمرارية وتجاوز هذه الأزمة.
• إذن نحن أمام تبعات قد تكون مؤثرة سلبا بشكل مباشر على مكاتب النوع الأول، أي المكاتب الفردية، باعتبار أن هذا النوع من المكاتب يمارس العمل بالطريقة التقليدية، وهي الطريقة الارتجالية في أخذ القرار، والتي من الصعب أن تتكيف مع التبعات الحالية والمستقبلية بشكل مدروس، كما أن ضعف فهم الأطر الإدارية الأساسية التي يحتاجها مكتب المحاماة، سواء كانت إدارة الموارد المالية والبشرية أو إدارة ملفات العملاء وأعمالهم، إضافة إلى محدودية الملفات وانخفاض التدفق المالي الدوري لهذه المكاتب؛ باتت سببا رئيسا في إنقاص القيمة المهنية لهذه المكاتب.
وعليه، فإن عدم مقدرة المحامي على التكيف مع الأزمة الحالية وبأدوات تتناسب مع الوضع الراهن، وعلى رأسها الانتقال الفوري أو على المدى القريب إلى طريقة خدمة العميل بشكل افتراضي وبشكل محترف يختلف عن الوضع الذي كان سائدا لسنين؛ أتوقع سيضع هذا النوع من المكاتب في دائرة الخطر وقد يدفعه للخروج من السوق أو لن يكون له دور فاعل ما بين المكاتب الموجودة، سواء كانت محلية أو عالمية.
• ثاني هذه التحديات يتلخص في مدى أهمية التحول الرقمي، أو إن صح التعبير الالكتروني، للمكاتب تكاليف، وهل هذا التحول يصاحبه تكاليف عالية لا يمكن للمكاتب تحملها؟
وحتى نتمكن من الإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نفرق بين التحول الالكتروني الكامل أو ترميم الأدوات التقنية الحالية داخل المكاتب.
عليه، إذا هذا التحول في حال كان من نقطة الصفر ودون أي أرضية سابقة، من الطبيعي أن تكون تكلفته مرتفعة، مع الوضع في الاعتبار أن المنتج التقني يسري عليه ما يسري على أي منتج آخر، من حيث إن أي منتج سيكون قابلا لانخفاض في قيمته على حسب التقنيات التي يصاحبها، ويقابل هذا النوع منتج متطور بقيمة أعلى، وأخيرا المنتج ذو التقنية العالية قيمته سوف تكون باهظة.
ولكن السؤال الأهم الذي يجب الإجابة عنه في هذا السياق: هل اللجوء إلى التحول الرقمي ما زال من الرفاهيات أو من أساسيات المهنة؟
الجواب أنه لو اقتنعنا بعد هذه الأزمة أن التحول الالكتروني بات من الأساسيات، فقيمته المرتفعة لن تكون معضلة للمكاتب، باعتبار أنه أصبح من الاحتياجات الرئيسية للاستمرارية والتطور، خاصة لو لمس المحامي الاختصار الهائل في الوقت، وهو المنتج الأهم في مكاتب المحاماة، والذي من الممكن أن تمنحه إياه هذه البرامج التقنية.
وبناء على ما سبق فإن كل هذه الأطروحات لن يكون لها جدوى فعلية ما لم تقترن ببعض الحلول التي يمكن للمنتسبين للمهنة الالتفات إليها، للخلوص إلى حل يتناسب مع وضع المحامي في هذه المرحلة، مما يعني أنه بات لزاما علينا كمنتسبين لهذه المهنة الاهتمام بأربعة ملفات هامة، والتعامل معها بحرص شديد كخارطة طريق للمرحلة المقبلة، وهي:
الملف الأول
العميل الحالي لدى المكتب وكيفية الحفاظ عليه. أرى أن هذه الأزمة ستكون الاختبار الحقيقي للعلاقة بين المكتب والعميل، فالمهم التواصل مع العملاء الحاليين وتوضيح الأمور القانونية الحالية لهذه الأزمة، وحقوقهم والتزاماتهم كتبعات لهذه الأزمة، وتوثيق دور المحامي مع الشركة كبصمة تميز هذا الدور.
الملف الثاني
استشعار الجانب المضيء من هذه الأزمة، من حيث الطلب العالي على الخدمات القانونية التي سيكثر اللجوء إليها بعد انفراج هذه الجائحة، فالمحامي الذي سيتمكن من تقديم الخدمة بالجودة العالية وفي الوقت المناسب بتكلفة مناسبة سيكون له السبق في قطف ثمرة هذا الاحتياج.
الملف الثالث
إعادة هيكلة إدارة الوقت والموارد المالية بطريقة الإنفاق والترشيد، من حيث إن البنود الجالبة للدخل والتدفق المالي يجب رعايتها بالوقت والمال وبشكل مدروس، كالتسويق وأساليب تنمية العملاء، وما يقابلها من ترشيد في أي بنود من الكماليات، التي لا يمكن ترجمتها وتحويلها لدخل إضافي بالمكتب.
الملف الرابع
التفكير في موضوع التكتلات والتحالفات المهنية بشكل جدي، من حيث البحث على شراكات فاعلة يمكن للمحامين التكيف معها، وتحمل الضغط المالي من خلالها على المدى البعيد.
أخيرا، أرى أنه من المهم في الفترة المقبلة أن يتجنب المحامي التفريط في أي من مكتسباته الحقيقية، وهي فريق العمل والكوادر المدربة في مكتبه لمجرد أنه وصل لبعض العجز في الوفاء ببعض الالتزامات تجاه الفريق، حيث إن المحامي ذا النظرة القاصرة سيفقد هذه
المكتسبات مع بعض التوفير للمصروفات، لكنه بالتأكيد سيجد في الجهة المقابلة محاميا آخر لديه نظرة ثاقبة واستقراء للمستقبل، سيتبنى هذه الكفاءات ويستفيد منها في المستقبل القريب.
داعيا المولى أن تنفرج هذه الأزمة، وأن تكون هي الخير الذي يكمن في الشر، وأن يجنبنا وإياكم كل مكروه.
@Firastrabulsi1