حنان المرحبي

بريطانيا تعانق المجهول

الاثنين - 27 يونيو 2016

Mon - 27 Jun 2016

في الوقت الذي تبحث فيه الحكومات والاقتصادات المتقدمة وكذلك الناشئة عن فرص بناء التحالفات والتكامل والاندماج السياسي والاقتصادي لتعزيز الرؤى والتنبؤات حول التحولات السياسية والاقتصادية المقبلة، وتحويل القوى الإقليمية المتنافسة إلى وحدة منافسة، يختار البريطانيون تغيير مسارهم واللعب وحدهم في مواجهة المجهول كحل بدا لي أنه عاطفي بدرجة كبيرة، أثاره الغضب القومي من فقدان السيطرة على عدد من الخيارات الوطنية من بينها خيارات الهجرة، أزمات اللاجئين، وتأمين سوق العمل.

ما يحدث في بريطانيا قد يعكس، جزئيا، أيديولوجية بدأت تشق طريقها بقوة في أوساط الشعوب الغربية. فقبل خيار الشعب البريطاني، صدمنا خيار الشعب الأمريكي الذي ولد شخصية كدونالد ترامب «التي وسمت بالعنصرية» ولا تزال تتلقى هذه الشخصية الدعم بطريقة صادمة للعالم ليكون مرشحا لرئاسة أمريكا بالفترة المقبلة. هكذا تكون حلول الأيديولوجيات التي يحركها الغضب، تلغي كل بناء ناجح وتأسيس رصين لمجرد أن تشفي الغليل.

سوف تكثر التنبؤات والتكهنات حول الآثار التي ستترتب عن انسحاب بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ولكن أكثر حقيقة مؤكدة هي أن بريطانيا ستواجه مصيرا اقتصاديا شديد الضبابية في الفترة المقبلة، وهي حالة من المبكر جدا التنبؤ بما سيحدث فيها.

إن الصراع القائم بين خياري البقاء أو الخروج هو في الواقع صراع بين خياري الخضوع (Europeanization/unification) أو التحرر (liberalization)، لم يعد صبر البريطانيين يحتمل السير خلف رؤى قادة التحالف الاقتصادي والسياسي الأوروبي التي باتت، على حد تصورهم، تزاحم الخيارات الوطنية وتكلفهم أكثر مما تنفعهم (وهي نظرة قد تكون قاصرة وقصيرة المدى)، لهذا فسؤال المرحلة القادمة، كيف سيحتمل البريطانيون خيار الخضوع لتحديات العولمة (globalization) غير محددة القوى والمعالم من بعد الخروج.

لا يغيب عن أحد ما تفعله اليوم الاقتصادات الناشئة في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا من إرباك كبير للاقتصادات المتربعة على عرش سلسلة القيمة العالمية (Global value chain) أو الصناعات الكبرى، وتهديداتها ليست بعيدة عن حدود القارة العجوز فضلا عن بريطانيا.

وحينما يختار البريطانيون اللعب وحدهم، لا يستبعد أن يأتي عليهم اليوم الذي يتحول فيه ذلك المارد الذي كان حليفا قويا بالأمس إلى منافس شرس ومدعوم من قبل حلفائه «الأصدقاء سابقا»، أو أن يصبح ذلك المنافس الذي لم يثق فيه البريطانيون يوما إلى منقذ لا يمكن الوقوف أمام مطالبه، برغم استحالة التنبؤ بما يختبئ خلف عينيه.

لا تزال العولمة تلعب دورها المؤثر في جعل الدول تميل إلى خيار التكامل والاندماج عبر التحالفات أو الاتفاقيات، ولكن يبدو أن ما تريده بعض الشعوب هو الاستقلالية والسيطرة الوطنية غير مبالين للجانب المعتم في مثل هذا الخيار. فكيف يمكن أن تتكامل الرؤى على المستويين السياسي والشعبي داخل تلك الدول، وذلك قبل أن تتوصل إلى التكامل مع رؤى الدول الأخرى؟ فقد يعيق الانقسام الداخلي الشديد أو يؤخر معالجة ما سيخلفه قرار الانسحاب.

[email protected]