عبدالله بن داودِ

التعليم بين عالمين

السبت - 04 أبريل 2020

Sat - 04 Apr 2020

تجاوبا مع إجراءات الوقاية والسلامة من فايروس كورونا، انتقلت العملية التعليمية في مؤسسات التعليم في بلادنا الغالية من الفصول التقليدية إلى الفصول الافتراضية، حيث تقدم المادة العلمية عن بعد عبر المنصات والتطبيقات الالكترونية، بدلا من تقديمها وجها لوجه في فصول الدراسة.

ورغم وجود بنية تحتية متينة للتعليم عن بعد في مؤسساتنا التعليمية، إلا أن الانتقال السريع والمفاجئ للعملية التعليمية من العالم التقليدي إلى الافتراضي لا يمكن النظر إليه على أنه تغير فقط في الظرف المكاني التي تجري فيه العملية التعليمية (فصول تقليدية مقابل فصول افتراضية عبر منصات الكترونية). هذه النظرة قد تسهم في خلق توقع غير دقيق عن جودة المنتج التعليمي خلال فترة التعليم عن بعد - المؤقتة بعون الله - مماثلة لما يكون عبر الفصول التقليدية.

وعلى افتراض قدرة المعلم والمتعلم على استخدام التقنية بما يكفل إنجاح العلمية التعليمية عن بعد، لا زال الاختلاف بين التعليم التقليدي والتعليم عن بعد أكبر من أن يمكن حصره في الجانب المكاني وتقنيات التعليم المتاحة، كما أنه من الصعب تصور أن المعلم والمتعلم والمادة التعليمية لن يتأثروا أو يختلفوا بناء على الطريقة المستخدمة، سواء أكانت حضوريا أو عبر الشاشات.

مثلا، بحسب نتائج دراسة أجرتها الدكتورة آنا يا ني، أستاذ الإدارة العامة المشارك بجامعة ولاية كاليفورنيا في سان برناردينو، لمقارنة فعالية الفصول الدرا

سية والتعلم عبر الانترنت في تدريس مناهج البحث، فإن الفصول التقليدية تميل إلى سيطرة المعلم وقلة التفاعل بين المتعلمين داخل الفصول التقليدية مقارنة بالفصول الافتراضية. مقابل ذلك، يميل التواصل بين أعضاء العلمية التعليمية إلى الاستمرارية في الفصول الافتراضية.

وفي دراسة أخرى قامت بها نيناغ كمب، عالمة النفس في جامعة تسمانيا الأسترالية، وجدت أنه رغم أن أداء المشاركين في الدراسة (طلاب وطالبات بكالوريوس علم النفس في مادة علم النفس النمو) في التمارين الكتابية والمناقشة الصفية والاختبار الكتابي لم يختلف بدرجة ملحوظة بين الطريقة التقليدية والافتراضية، إلا أن غالبية المشاركين فضلوا الطريقة التقليدية على طريقة التعليم عن بعد. كما يشير عديد من الأدبيات العلمية إلى الدور الحيوي التي قد تلعبه السمات الشخصية والعوامل النفسية في تحديد مناسبة ومدى الاستفادة من العلمية التعليمية بالطريقة التقليدية أو الافتراضية.

وإذا كانت هناك فروق بين الطريقة التقليدية في التعليم وطريقة التعليم عن بعد في الظروف العادية، التي تتيح للمتعلم مساحة أكبر في اختيار طريقة التعليم التي تناسبه، فكيف بها عندما تكون مساحة الاختيار بين الطريقتين منخفضة أو منعدمة بسبب ظرف ما مثل الانتقال الكلي للعملية التعليمية من الوضع التقليدي إلى الافتراضي بسبب جائحة كورونا؟!

و عليه، فإنه يجدر بالمختصين تقصي الأثر الناتج من الانتقال السريع والمفاجئ للعملية التعليمية من الفصول التقليدية إلى الافتراضية على المعلم والمتعلم والمادة العلمية. كما أنه من المناسب أيضا دراسة جوانب القوة والضعف في العلمية التعليمية عن بعد في كل مراحل التعليم، حيث إنها قد تسهم في خلق تصور واضح عن إمكانية نجاح التعليم عن بعد في كل المراحل موازيا للتعليم التقليدي.

وكما يقول رام إيمانويل، كبير موظفي البيت الأبيض الأمركي وعمدة مدينة شيكاغو الأسبق «يجب ألا تدع الأزمة الخطيرة تذهب سدى، لأنها فرصة لأن تفعل شيئا لا يمكنك فعله من قبل».

[email protected]