جبريل العريشي

دور الدولة في مواجهة فيروس كورونا المستجد

الاثنين - 23 مارس 2020

Mon - 23 Mar 2020

إننا حقا في أتون حرب عالمية من نوع جديد، العدو فيها هو فيروس كورونا المستجد الذي لا يرى بالعين المجردة ولكنه يتسلل إلى أجسادنا دون أن ندري، يفتك بنا ويميت بعضنا ويدمر اقتصادنا. إنه وضع يتسم بالتعقيد والتشابك، تتلاحق فيه الإجراءات التي تتخذ بواسطة عديد من دول العالم. فالفيروس لا يعرف حدودا، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي انتابت العالم أجمع زادت من تداعياته على كل الدول، غنيها وفقيرها.

وقد أدركت المملكة منذ الوهلة الأولى أنها بصدد مواجهة عدو خطير يمكنه أن يعصف، لا قدر الله، بمنظومتها الاقتصادية، ويهدد سلامة الأداء في كل القطاعات، ويعوق تحقيق الأهداف، ويعصف بحياة وممتلكات المواطنين، فاستجابت بقوة وحسم لمتطلبات المواجهة في ضوء المعطيات المتوفرة، والتي تتجدد ساعة بعد ساعة.

ورغم الصعوبة الكبيرة التي واجهت متخذي القرار، الناشئة عن حالة عدم التأكد من إمكانية وجود علاج ناجع أو مصل مقاوم على المدى القريب، إلا أن الدولة اتخذت قرارات أقل ما توصف به أنها صعبة وصارمة. فقامت بتعليق رحلات الطيران الخارجي والداخلي وحركة القطارات ونشاط الحافلات وتعطيل الدراسة في الجامعات والمدارس وبغلق المساجد، وغير ذلك من القرارات الضرورية. وما زالت القرارات تتوالى، مواكبة لتطورات الأزمة المتصاعدة على مستوى العالم.

لقد أظهرت هذه الأزمة أن نجاح دور الدولة يعتمد في الأساس على صحة ودقة المعلومات المتعلقة بفيروس كورونا المستجد، والتي تعتمد في أحد جوانبها على قدرتها على الانخراط في حوار مع الجهات الدولية الفاعلة في مجال الصحة، وعلى التعاون على الساحة الدولية، وعلى الاستجابة لتوجيهات وإرشادات منظمة الصحة العالمية.

كما أظهرت الأزمة أن نجاح الدولة على المستوى الداخلي، يعتمد على قدرتها على اختصار الزمن وتخطي الروتين، وهو ما ظهر فيما اتخذته من قرارات خطيرة في الوقت المناسب. كما يعتمد على قدرتها على الوصول إلى كل المواطنين والسيطرة عليهم. وطمأنتهم عندما يحتاجون إلى الطمأنة، وتحذيرهم عندما يستدعي الأمر التحذير، وحملهم قسرا على الانضباط والالتزام عند تهاونهم في اتباع التعليمات.

لقد فرضت علينا هذه الأزمة العالمية أن نلجأ بصورة مكثفة لنماذج التعلم وأداء الأعمال وتقديم الخدمات عن بعد، باعتبارها النماذج البديلة للتواصل الشخصي بين الأطراف عند أداء الأعمال. وقد نجح في ذلك من كان لديه التقنيات والخبرة، وتكيف مضطرا من كان يعاند في استخدام التكنولوجيا رغم توفرها لديه، وتعثر من كان يؤجل خطط التحول الرقمي وحلول الأتمتة.

لقد أظهرت الأزمة انخراطا قسريا في نهج التحول الرقمي بالنسبة لكثير من مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، ونحسب أنه - بعد انتهاء الأزمة بإذن الله - سنجد أنفسنا منغمسين إلى الأذقان في العالم الرقمي، ولن يكون هناك فرصة للعودة إلى الوراء.

إن حياتنا في عصر ما بعد كورونا ستختلف بصورة جذرية عن حياتنا قبل هذا العصر. ورب ضارة نافعة.

[email protected]