هبة زهير قاضي

كلنا في الهوا سوا

الاحد - 15 مارس 2020

Sun - 15 Mar 2020

في معمعة كل هذا الزحام الغامر الذي سببه فيروس كورونا، وجدت نفسي أغرق في مشاهدة فيديو يحكي قصة رجل صيني وثق يومياته مع زوجته الممرَّضة في مستشفى المدينة التي أصابها فيروس كورونا. بداية من مرحلة الاشتباه والعزل المنزلي التي كان يقوم فيها الزوج بخدمة زوجته، فيرتدي اللباس الواقي ثم يدخل إلى غرفتها للتنظيف أو جلب الطعام لها، والأهم التخفيف والتسرية عنها، في حين أنها تبقى دافنة وجهها تحت الغطاء خوفا عليه من العدوى. ومن ثم يصور يومياته في التحدث معها عبر أجهزة التواصل بعد أن تم عزلها في المستشفى، والدعم المعنوي والنفسي الذي استطاع تمريره لها من خلاله، وإرسال الزهور والهدايا والكتب أيضا إليها في المستشفى.

وطبعا النهاية السعيدة بشفاء الزوجة وعودتها إلى بيتها وزوجها وهي في أتم الصحة والعافية.

كانت قصة مؤثرة حقيقة، تشبه قصص الحب العظيمة التي قرأنا وسمعنا عنها من الروايات والمرويات في أزمنة الحروب والأحداث الجسام. فإظهار الجانب الإنساني والعاطفي في أوقات الأزمات العظمى بإمكانه مساعدة البشرية على تخطي أهوال الصدمة من خلال تحفيز الأمل والرغبة الفطرية في البقاء، والأهم توثيق الأزمة وتمجيد أبطالها لتصبح محفزات للمراجعة والإصلاح في الحاضر، ودروسا تاريخية تقرؤها الأجيال القادمة، وتأخذ منها العبرة والعظة، وتساعدهم على فهم البشرية والتعامل مع كوكب الأرض باحترام أكبر، ومع خالق الكون بتبجيل أعظم.

بفضل الله تعالى فإننا نعتبر من أفضل البلدان تعاملا مع هذه الأزمة العالمية، والاحترازات المبكرة والقوانين الحاسمة التي فرضت من قبل جهاتنا الصحية والأمنية، جعلت بلدا مترامي الأطراف والمساحة وبكثافة سكانية عالية كالسعودية في ذيل قائمة تعداد الحالات المشخصة مقارنة مع دول أصغر بكثير، وربما توقعنا أن تكون أنظمتها الصحية والأمنية أفضل.

وما يجب مناقشته هنا هو كيف نحافظ على وضعنا الحالي بغرض أن نتطور للأفضل ونخرج من الأزمة في أسرع وقت وبأقل الخسائر؟ وبناء عليه علينا أن نناقش مواضع الخلل بكل شفافية ومصداقية.

إذن أين الخلل؟ الخلل حقيقة يكمن في أنه وبينما الجهات الرسمية العالمية والمحلية تخوض حربا ضروسا ضد هذا الفيروس، هناك حرب ضروس أخرى تدور بين عامة الشعوب سلاحها الأقاويل والمواقف المتعصبة. فليس من شيء أكثر ضررا وأشد فتكا على سلامتنا وأمننا الصحي من نشر الشائعات والتشكيك في قدرات أنظمتنا الصحية والأمنية. فهذا يؤدي إلى عدم الثقة وبالتالي عدم اتباع الإرشادات وتجنب التعامل مع الجهات المسؤولة في مواجهة حالات الاشتباه، أو الشعور بالأعراض أو الحاجة للمعلومات.

والجانب الآخر من عدم الثقة هو عيش حالة من الإنكار تؤدي إلى محاولة تجاهل المحاذير وحملات التوعية، هربا من التعامل مع المشاعر المصاحبة لها، والذي يؤدي بالتالي إلى الاستهتار وعدم اتباع التوجيهات، مع تبني موقف اللامبالاة والسخرية والمزاح تجاه المحاذير.

لذا نحن بحاجة إلى تفعيل الجانب الإنساني والعاطفي في التعامل مع الأزمة بالكفاءة والفاعلية نفسها التي نتعامل فيها مع الجانب العملي والإجرائي. وإن كانت هذه الرسائل الإعلامية واجب الجهات الصحية والتوعوية، فهي أيضا واجبنا جميعا كأفراد مسؤولين عن أنفسنا ومسؤولين عن سلامة من هم في عهدتنا. نعم أنت مسؤول عن وعيك الشخصي بتتبع المعلومات من مصادرها الرسمية والموثوقة، ومن ثم تمريرها لكبار السن سواء بتهدئة خوفهم، أو رفع وعيهم في مقابل تبني موقف (الحافظ الله)، أو لصغار السن واليافعين من خلال الحسم والتوجيه الصارم.

وما نحن بحاجة إليه أيضا هو تفاعل القطاعات الأخرى مع الأزمة التي نمر بها. نحن بحاجة لتعاون وزارة التجارة ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بتخفيض الرسوم وربما إلغائها، ورفع الأعباء الإجرائية عن الشركات والمؤسسات التي توقف عملها خلال الأزمة، بل ودعمها حماية لها من الإفلاس والإقفال. نحن بحاجة إلى إصدار قرار بتجميد الاشتراكات والرسوم على بعض الخدمات التي توقفت، ومن ثم تعويضها للعملاء بعد تجاوز الأزمة. نحن بحاجة لأن يصدر قرار بزيادة عدد أيام الإجازة للموظفين الذين لديهم أولاد أو تقليل عدد ساعات الدوام ليكون بإمكانهم رعاية أولادهم الذين قعدوا عن المدارس والحضانات ومساعدتهم في تفعيل نظام الدراسة عن بعد.

وفي الختام أتقدم باسمي وباسم الشعب السعودي والعالم بأخلص الشكر والامتنان لجنودنا البواسل في القطاع الصحي، الرابضين في المستشفيات والمراكز الحدودية والطائفين على كل المواقع. فبينما يُطالب الجميع بحماية أنفسهم بالابتعاد وتجنب الاحتكاك، يتصدى أبطال الصحة لعدونا الخفي بكل بسالة وشجاعة وجسارة ليكونوا جدارا حاميا ما بيننا وبينه.

وعليه أدعو كل القطاعات والشركات والأفراد والإعلاميين والمؤثرين إلى تلبية الواجب الوطني والإنساني، من خلال تقديم الدعم المعنوي والعملي بكل ما يستطيعونه. فالآن هو وقت المبادرة الفاعلة، والآن هو محك الجدارة الحقيقية لإثبات الإحساس بالمسؤولية من خلال المساهمة في رفع مناعتنا الوطنية وحماية البشرية جمعاء.

HebaKadi@