ضد الغباء المستفحل
الأحد - 26 يونيو 2016
Sun - 26 Jun 2016
نكره التعقيد ولا نحب أن نراه. نريد للعالم أن يكون سهلا ومتسقا مع تصوراتنا المسبقة عنه. لا نحب القصص المعقدة والنهايات غير المنطقية. لم يكد ينتشر خبر مقتل أم بأيدي ابنيها (اللذين يعتنقان فكر داعش) في ساعات الفجر الأولى من صباح الجمعة حتى ظهرت ذات التحليلات والأسباب التي مللنا من سماعها إلى السطح. فهناك من يدعو إلى مراجعة التراث، والآخر يدعو إلى إعادة النظر في المناهج وخطب المساجد، والثالث يتحدث عن الفكر الوهابي إلى آخره مما تقرؤه في مثل هذه الأحداث.
هذه المعالجة العامة للحدث تجلطني (مجازا). بالنسبة لي، لا أراها تختلف عن التحوير السياسي لعمليات القتل الجماعي في أمريكا. فبعد كل حادثة قتل جماعي في أمريكا، ومن ضمنها الحادثة الأخيرة في اورلاندو والتي راح على إثرها ما يزيد عن الخمسين قتيلا، يسارع كبار السياسيين إلى تحوير القضية لصالح قضاياهم السياسية (سواء كان لاستخدامها في التنديد بالإرهاب والمهاجرين، أو في فرض تشريعات تحد من اقتناء الأسلحة). كل ردود الفعل جاهزة ومتوقعة تماما وهكذا يتم التحكم بالخطاب العام حول الأسباب الحقيقية الدافعة لمثل هذه الحوادث العنيفة.
ردة الفعل التلقائية تجاه حوادث العنف والإرهاب المحلية والتي تربطها بالمناهج والمدارس لا تعطي اعتبارا لتعقيد السلوك البشري ولا لتعقيد العالم الذي نعيش فيه. فالسلوك البشري المتعلق بالجريمة لا يمكن وصفه تحت تأثير سبب واحد وميكانيكية موحدة تصل السبب بالنتيجة. بل هو سلوك معقد، ترتبط فيه المعطيات الجينية بالتنشئة المبكرة والسمات الشخصية والخبرات الحياتية -الحادة خصوصا- والأفكار أو القناعات الايديولوجية، إضافة إلى العوامل الاقتصادية والمجتمعية وغيرها من العوامل. لا يمكن بحال من الأحوال فصل هذه العوامل المتداخلة عن بعضها البعض، لكي نقول إن المناهج أو التراث أو خطب الجمعة هي السبب. هذا التسطيح في معالجة الإرهاب لن ينتج إلا مزيدا من الحلول السقيمة وعديمة الفائدة.
لا يمكن أن نفهم الفكر «المتطرف» إلا من خلال رد الاعتبار للطريقة التجريبية والتحليلية في تفسير السلوك البشري، بدلا من الهذر بكليشيهات لا تسمن ولا تغني من جوع. عانت بلادنا من العمليات الإرهابية المتطرفة على مدى أعوام طويلة وإلى اليوم لم نشهد سوى حلول أمنية صارمة لمواجهة هذه الحركات المتطرفة. الدور العلمي والمعرفي للجامعات والمؤسسات والمراكز البحثية في دراسة ظاهرة الفكر المتطرف مع العوامل الاجتماعية والنفسية المرافقة يكاد ينعدم. الحل الأمني لمواجهة الإرهاب ليس سوى علاج للأعراض، أما الأسباب فما زالت وستظل قائمة. اكتشاف هذه الأسباب وطريقة عملها وتأثيرها على الفرد والمجتمع هي مهمة الجامعات والمراكز البحثية وليست مهمة الجهات الأمنية. فلذلك لا عجب أن تحظى التفسيرات السهلة بشعبية كبيرة وسط الشح الكبير في الدراسة الجادة لهذه الظاهرة القائمة.
لكي ندرك مدى سطحية التفسيرات السائدة، لنلق نظرة على الدول التي يأتي منها مقاتلو داعش الأجانب: تونس في الصدارة، ثم السعودية، تليها الأردن وروسيا وفرنسا وتركيا والمغرب ولبنان وألمانيا والمملكة المتحدة ومصر. ما الذي يجمع كل هذه الدول من مختلف بقاع العالم؟ من الواضح أننا أمام ظاهرة متجاوزة للحدود. ربما لكل دولة أسباب مختصة بها، فالذي يدفع السعودي إلى الانضمام إلى داعش قد يختلف عن الذي يدفع البريطاني للسفر إلى سوريا والقتال ضمن داعش. لكن الأهم من ذلك في سياق هذه المقالة هو أن التفسيرات السطحية الشائعة التي تعزو تنامي العنف المسلح ممثلا بما تستخدمه داعش لا محل لها من الإعراب. دعم الأبحاث الأكاديمية هو الخطوة الأولى لفهم تأثير داعش وتجنيدها لأبناء بلدنا.
المصدر:(International Centre for the Study of Radicalisation (ICSR
هذه المعالجة العامة للحدث تجلطني (مجازا). بالنسبة لي، لا أراها تختلف عن التحوير السياسي لعمليات القتل الجماعي في أمريكا. فبعد كل حادثة قتل جماعي في أمريكا، ومن ضمنها الحادثة الأخيرة في اورلاندو والتي راح على إثرها ما يزيد عن الخمسين قتيلا، يسارع كبار السياسيين إلى تحوير القضية لصالح قضاياهم السياسية (سواء كان لاستخدامها في التنديد بالإرهاب والمهاجرين، أو في فرض تشريعات تحد من اقتناء الأسلحة). كل ردود الفعل جاهزة ومتوقعة تماما وهكذا يتم التحكم بالخطاب العام حول الأسباب الحقيقية الدافعة لمثل هذه الحوادث العنيفة.
ردة الفعل التلقائية تجاه حوادث العنف والإرهاب المحلية والتي تربطها بالمناهج والمدارس لا تعطي اعتبارا لتعقيد السلوك البشري ولا لتعقيد العالم الذي نعيش فيه. فالسلوك البشري المتعلق بالجريمة لا يمكن وصفه تحت تأثير سبب واحد وميكانيكية موحدة تصل السبب بالنتيجة. بل هو سلوك معقد، ترتبط فيه المعطيات الجينية بالتنشئة المبكرة والسمات الشخصية والخبرات الحياتية -الحادة خصوصا- والأفكار أو القناعات الايديولوجية، إضافة إلى العوامل الاقتصادية والمجتمعية وغيرها من العوامل. لا يمكن بحال من الأحوال فصل هذه العوامل المتداخلة عن بعضها البعض، لكي نقول إن المناهج أو التراث أو خطب الجمعة هي السبب. هذا التسطيح في معالجة الإرهاب لن ينتج إلا مزيدا من الحلول السقيمة وعديمة الفائدة.
لا يمكن أن نفهم الفكر «المتطرف» إلا من خلال رد الاعتبار للطريقة التجريبية والتحليلية في تفسير السلوك البشري، بدلا من الهذر بكليشيهات لا تسمن ولا تغني من جوع. عانت بلادنا من العمليات الإرهابية المتطرفة على مدى أعوام طويلة وإلى اليوم لم نشهد سوى حلول أمنية صارمة لمواجهة هذه الحركات المتطرفة. الدور العلمي والمعرفي للجامعات والمؤسسات والمراكز البحثية في دراسة ظاهرة الفكر المتطرف مع العوامل الاجتماعية والنفسية المرافقة يكاد ينعدم. الحل الأمني لمواجهة الإرهاب ليس سوى علاج للأعراض، أما الأسباب فما زالت وستظل قائمة. اكتشاف هذه الأسباب وطريقة عملها وتأثيرها على الفرد والمجتمع هي مهمة الجامعات والمراكز البحثية وليست مهمة الجهات الأمنية. فلذلك لا عجب أن تحظى التفسيرات السهلة بشعبية كبيرة وسط الشح الكبير في الدراسة الجادة لهذه الظاهرة القائمة.
لكي ندرك مدى سطحية التفسيرات السائدة، لنلق نظرة على الدول التي يأتي منها مقاتلو داعش الأجانب: تونس في الصدارة، ثم السعودية، تليها الأردن وروسيا وفرنسا وتركيا والمغرب ولبنان وألمانيا والمملكة المتحدة ومصر. ما الذي يجمع كل هذه الدول من مختلف بقاع العالم؟ من الواضح أننا أمام ظاهرة متجاوزة للحدود. ربما لكل دولة أسباب مختصة بها، فالذي يدفع السعودي إلى الانضمام إلى داعش قد يختلف عن الذي يدفع البريطاني للسفر إلى سوريا والقتال ضمن داعش. لكن الأهم من ذلك في سياق هذه المقالة هو أن التفسيرات السطحية الشائعة التي تعزو تنامي العنف المسلح ممثلا بما تستخدمه داعش لا محل لها من الإعراب. دعم الأبحاث الأكاديمية هو الخطوة الأولى لفهم تأثير داعش وتجنيدها لأبناء بلدنا.
المصدر:(International Centre for the Study of Radicalisation (ICSR