المرأة الشبح بييراييلو تخرج من مخبئها لمحاربة المافيا في إيطاليا
الاثنين - 06 يناير 2020
Mon - 06 Jan 2020
بييرا ييلو، سيدة إيطالية من صقلية تبلغ من العمر 52 عاما وهي عضو في مجلس النواب الإيطالي منذ نحو عامين، لكن قبل انتخابها، لم تكنييلو موجودة في السجلات الرسمية، على الأقل بهويتها الحالية.
وفي مارس 2018، فازتييلو بمقعد عن حزب حركة خمس نجوم الشعبوي في مجلس نواب إقليم تراباني مسقط رأسها.
وكي تدخلييلو المعترك السياسي، كان يتعين عليها أولا الخروج إلى العلن، قضت ييلو السبعة وعشرين عاما الماضية تحت غطاء برنامج حماية الشهود حيث عاشت بهوية أخرى لحمايتها من تهديدات المافيا بالقتل.
بدأت حياتها المستعارة عام 1991 حينما تمردتييلو البالغة وقتها 18 عاما على عرف "اوميرتا" السائد في صقلية بشأن التزام الصمت حيال جرائم العنف، وأبلغت الشرطة عن قتلة زوجها .
زوجييلو نفسه المدعو نيكولا أتريا كان رجل عصابات تم إرغامها على الزواج منه. وقد أعدمه خصومه من رجال العصابات أمام عينيها في مطعم البيتزا الذي كان يديره الزوجان سويا.
تقول النائبة في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب أ): "حين توفي زوجي قلت لنفسي بأن هذا يكفي وأنني أدرك انني اتخذ القرار الصائب".
وخلال حملتها الانتخابية، عُرفتييلو "بالمرشحة الشبح" لأن وجهها كان مخفيا في الملصقات والمواد الدعائية الأخرى لأسباب أمنية.
لم يبلغ الأمر حد أن تخوضييلو حملتها الانتخابية وهي ترتدي قناعا أو تتخفى تحت حجاب، لكنها تتذكر قائلة "عندما التقيت الناخبين، كنت أطلب منهم عدم التقاط الصور لي واحترم الناس مطلبي".
وتضيف ييلو أنها لم تتوقع هذا القدر من الداعمين في دائرة انتخابية تخترقها المافيا بقوة خاصة مع سجلها السابق كمخبرة للشرطة.
تقول ييلو " لكن (حقيقة فوزي) جعلتني أدرك أن المواطنين أمثالي يتغيرون ويتوقون إلى سيادة القانون".
وقد أثار فوزييلو طعنا قضائيا دراميا نظرا لأن المرشح الخاسر ادعى أنييلو خرقت القانون بالتسجيل كمرشحة بهويتها الحقيقية بينما هي قانونيا تحمل هوية أخرى.
وانتهت القضية في نوفمبر الماضي حيث حكم القاضي بإسقاط تهم التزوير بحقييلو وموظف عام ساعدها في الحصول مستندات الانتخاب.
وفي الوقت الحالي استعادت ييلو اسمها الحقيقي ولم تعد هويتها سرية، لكنها لا تزال تحت حماية الشرطة وهو الأمر الذي تعتقد أنه سيستمر طيلة حياتها.
وتقول "قررت أن أكشف عن وجهي فقط لأن إخفائه يتعارض مع العمل العام"، وتضيفييلو قائلة "إن عدم إمكانية استخدام المرء لاسمه الحقيقي هو بمثابة خسارة جزء من النفس".
وكنائبة في البرلمان، تركزييلو على القضايا القريبة من قلبها.
ييلو عضوة في اللجنة القضائية وسبق أن تقدمت بمشروع قانون لتحسين حقوق الأفراد الذين يعيشون تحت غطاء برنامج حماية الشهود، ومشروع قانون آخر لمساعدة ضحايا جرائم الابتزاز من قبل المافيا.
وتوضح ييلو أنه ما زال هناك الكثير لفعله من أجل هزيمة مافيا صقلية المعروفة بكوزا نوسترا وجماعات المافيا الأخرى. على سبيل المثال، ما زالت السلطات الإيطالية تطارد أكبر زعماء مافيا صقلية المطلوبينماتيو ميسينا دينارو والهارب منذ عام 1993.
كما تقولييلو "لقد أبلغت الشرطة بأسماء أعضاء جماعة المافيا التابعة له، بحيث يكون القبض عليه ليس فقط انتصارا للدولة ولكن انتصارا لي على المستوى الشخصي".
لكن هل يمكن هزيمة المافيا إلى الأبد؟ييلو ليست واثقة تماما من ذلك. وتقول " سنحتاج إلى تغيير عقليات الناس من أجل ذلك، لكن ليس فقط في صقلية. فالمافيا لم تعد مشكلة خاصة بصقلية".
وتعد تجربة التخفي بهوية جديدة أحد الصعاب العديدة التي واجهتييلو.
واعتاد زوجييلو الراحل أن يسيء معاملتها جسديا حتى حينما كانت حاملا. وقد بدأ زواجهما بنذير شؤم في عام 1985 ، مع قتل والد زوجها على يد المافيا أثناء شهر العسل.
وعندما حدث الأمر نفسه مع زوجها بعد ست سنوات، أصبحت بمفردها برفقة ابنتها التي كانت تبلغ من العمر ثلاثة أعوام.
ولجأت للشرطة وأصبحت مخبرة إلى جانب أخت زوجها ريتاآتريا. وتولى القاضي باولو بورسيلينو أحد أكبر المدعين العموميين المناهضين للمافيا في إيطاليا رعاية المرأتين.
لكن في عام 1992، انتحرتآتريا بعدما توفي بورسيلينو جراء هجوم نفذته المافيا بواسطة قنبلة فيباليرمو، وهو المصير نفسه الذي لاقاه الكدعي العام البارز الآخر والمناهض للمافيا جيوفاني فالكوني.
ومضت ييلو في حياتها وهي محطمة نفسيا. فتقول "مع اسمي الجديد، تمكنت من تكوين أسرة جديدة، والحصول على وظيفة، واستطعت أن أعيش حياة شبه طبيعية".
وفي أكتوبر الماضي، وبسبب مشوار حياتها المميز أدرجت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي ) النائبة البرلمانية ضمن قائمتها الخاصة بأكثر 100 امرأة إلهاما وتأثيرا في العالم.
وتتحدث ييلو عن هذا اللقب التكريمي قائلة "بصراحة، لم أنظر لنفسي يوما بوصفي امرأة ملهمة، فالحياة التي خضتها جعلتني إنسانة خجولة بالأحرى".
ومع هذا، أبدتييلو امتنانها للتكريم فتقول " لكنني بالتأكيد سعيدة وممتنة لهيئة بي بي سي ،لأنه ببساطة زيادة الوعي إزاء قضية المافيا يخدم جهودي بلا شك".