بين جنبيك لا يشيخ ولا يصدأ!
الأربعاء - 15 يونيو 2016
Wed - 15 Jun 2016
دائما ما نسمع عن الرقيب، ومقصه الغريب، ونحن لا نعرف حتى ملامحه، ولم نحاوره ولا نعلم حتى ماذا يريد ولا السقف الذي يعجبه، لكنه استطاع أن يلج دواخلنا ويبرمجنا بالكيفية التي تريحه حتى خشيت عليه الملل، و(البطالة والعطالة) جراء هذه الفكرة الجهنمية التي انتهجها في برمجتنا.
حين تكتب مقالة أو قصيدة أو مداخلة أو ورقة عمل، فإن أصواتا كثيرة في داخلك تجعلك تراجع وتمحو وتضيف وتسهب في فكرة لا تستحق الإسهاب وتجلي الواضح الذي لا يستحق التجلية، فتظل في حيرة وقلق يعتملان في أعماقك حتى يخرج مكتوبك أحيانا باهتا لا يلتفت إليه أحد إلا فيما ندر، لكن تبريراتك الداخلية تقول: أحسنت (فكيت نفسك من النشب)، وهكذا دأب الكثيرون في أطروحاتهم، حتى صار طرق بعض المواضيع العادية في نظرهم جرأة، لأن الرقيب نسي أن يخبرهم أن السقف ارتفع عما كان عليه قبل مئات السنين.
تعودنا من صغرنا في المدرسة أن يعدل الأستاذ على كلماتنا في الإذاعة وفي الحفل المدرسي، وربما تصل تعديلاته إلى منع المشاركة كاملة تحت أي حجة. وتعودنا في مجالسنا أن نراعي الجالسين ونكبت أفكارنا خشية أن نضايقهم، وامتد ذلك إلى إعلامنا حتى صار المحرر حين يشك في معنى كلمة أو إيحائها يبادر إلى اجتثاثها واستبدالها بأخرى ربما تعيق الفكرة، وربما يجتث أحيانا فقرة كاملة من الموضوع أو يمنعه كاملا حتى تباينت سقوف حرية الكلمة في صحفنا اليوم، وتعودنا أن نرى صحفيا هاويا يصنع الرقيب المتضخم في داخله خبرا صحفيا مثيرا لكلمة أو قصيدة سمعها في أمسية أو ملتقى أو خطبة، فيدندن عليها وكأن قائلها قد جاء منكرا من القول، وهي في عرف الآخرين عادية جدا، ويمتد هذا ربما إلى المحكمين في الجوائز الثقافية وغيرها، فربما تحجب أعمال إبداعية مميزة لأن جرس الرقيب الداخلي أطلق إنذاراته بالمساءلة غدا، فقالوا (ما لي وما للسؤال!).
في هذه الصحيفة المباركة لم أتعثر يوما بمقص الرقيب، مع أني أحاول تقزيم الرقيب المزعج داخلي، وأهمل أوامره وتقريعاته كثيرا، لكنه ربما يكون معتملا أكثر مما أظن فأراحهم، (ما علينا). ما أود الوصول إليه أن دولتنا المباركة اليوم تدرك معنى الحرية وقيمتها، وقد تحدث الملك ـ حفظه الله ـ شخصيا بأن لا أحد فوق القانون والنقد، وأن مقاضاة أعلى مسؤول في الدولة ممكنة، وهذا لعمري سقف رفيع جدا يجب أن يعلمه الرقيب حتى يرفع فكي مقصه عن رقاب الكلمات والتعابير. وتحدث سمو ولي ولي العهد وكرر تعبير (الشفافية) كثيرا في عرضه لرؤية المملكة 2030، وهذه مؤشرات كفيلة بالتحرر من أسر الرقيب المتسلط، سواء في أعماق الإعلاميين أو الكتاب أو حتى المتلقين.
إن من الحرية المحمودة، بل من شرفها أن يملك المرؤوس القدرة على الإفضاء إلى رئيسه بما يزعجه مشافهة وجها لوجه، أو عن طريق المكاتبة، وإن فقد هذه الحرية المضبوطة بالأدب الجم، والأسلوب المهذب والغاية النبيلة، فسيكون أقل إنتاجية، وفوق ذلك سيكون بؤرة تثبيط لهمم الآخرين، دائبا في تشويه رئيسه إلى درجة التمرد ربما، فقد ولى زمن الكبت وإلجام الأفواه على الجمر حتى مع أطفالنا. وحين ينادي العقلاء بحرية التعبير، لا يعني ذلك الانفلات اللفظي، أو المروق عن ثوابتنا الدينية والاجتماعية، بل يعني أن يعبر الشخص عما يشعر به تجاه أمر ما، أو عن انطباعه، دون تأثير من الرقيب الداخلي، ولا خوف من الرقيب الخارجي (شبه العاطل).
وكيما أختتم هذه المقالة، سأعرج على النقد، فالنقد حين يكون لمجرد النقد فلن يثمر مطلقا، لأن باعثه غالبا سيكون بعيدا عن الموضوعية. والنقد باب من الأبواب الشائكة، طرقه ملغومة بقراءة النوايا، وغالبا ما يلقى الناقد الهادف الكثير من العنت في شرح وجهات نظره، حتى يتبلد حسه ولا يبالي بكل ما يقال له أو يحاك ضده، فقد كون قناعات في أعماقه أن الناس غالبا لا تحب النقد. واسأل النقاد بأنواعهم عما يجدونه حين ينقدون نصا أدبيا أو عملا فنيا أو حتى عادة اجتماعية، فما بالك حين ينقدون أداء أجهزة ومؤسسات وشخصيات اعتبارية!
تعريجي على النقد ليس للنقد في حد ذاته، لكن للوقوف على أسباب جفائنا له، فمبعث الجفاء يأتي من ضيق مساحة حرية التعبير، فلأننا تعودنا على مراعاة مشاعر الآخر حتى لو كان مخطئا، وواربنا رؤانا صار النقد غريبا، والناقد وقحا مريبا، وقراءة نواياه الواقعية وغير الواقعية وربطها بمصالحه الماضية والمستقبلية واجبة حتى نقف على خبث ذاته، ثم تحذير الآخرين منه، وربما تصل إلى معاقبته حتى ينطبق عليه «كأنما ألقمه حجرا»!
حين تكتب مقالة أو قصيدة أو مداخلة أو ورقة عمل، فإن أصواتا كثيرة في داخلك تجعلك تراجع وتمحو وتضيف وتسهب في فكرة لا تستحق الإسهاب وتجلي الواضح الذي لا يستحق التجلية، فتظل في حيرة وقلق يعتملان في أعماقك حتى يخرج مكتوبك أحيانا باهتا لا يلتفت إليه أحد إلا فيما ندر، لكن تبريراتك الداخلية تقول: أحسنت (فكيت نفسك من النشب)، وهكذا دأب الكثيرون في أطروحاتهم، حتى صار طرق بعض المواضيع العادية في نظرهم جرأة، لأن الرقيب نسي أن يخبرهم أن السقف ارتفع عما كان عليه قبل مئات السنين.
تعودنا من صغرنا في المدرسة أن يعدل الأستاذ على كلماتنا في الإذاعة وفي الحفل المدرسي، وربما تصل تعديلاته إلى منع المشاركة كاملة تحت أي حجة. وتعودنا في مجالسنا أن نراعي الجالسين ونكبت أفكارنا خشية أن نضايقهم، وامتد ذلك إلى إعلامنا حتى صار المحرر حين يشك في معنى كلمة أو إيحائها يبادر إلى اجتثاثها واستبدالها بأخرى ربما تعيق الفكرة، وربما يجتث أحيانا فقرة كاملة من الموضوع أو يمنعه كاملا حتى تباينت سقوف حرية الكلمة في صحفنا اليوم، وتعودنا أن نرى صحفيا هاويا يصنع الرقيب المتضخم في داخله خبرا صحفيا مثيرا لكلمة أو قصيدة سمعها في أمسية أو ملتقى أو خطبة، فيدندن عليها وكأن قائلها قد جاء منكرا من القول، وهي في عرف الآخرين عادية جدا، ويمتد هذا ربما إلى المحكمين في الجوائز الثقافية وغيرها، فربما تحجب أعمال إبداعية مميزة لأن جرس الرقيب الداخلي أطلق إنذاراته بالمساءلة غدا، فقالوا (ما لي وما للسؤال!).
في هذه الصحيفة المباركة لم أتعثر يوما بمقص الرقيب، مع أني أحاول تقزيم الرقيب المزعج داخلي، وأهمل أوامره وتقريعاته كثيرا، لكنه ربما يكون معتملا أكثر مما أظن فأراحهم، (ما علينا). ما أود الوصول إليه أن دولتنا المباركة اليوم تدرك معنى الحرية وقيمتها، وقد تحدث الملك ـ حفظه الله ـ شخصيا بأن لا أحد فوق القانون والنقد، وأن مقاضاة أعلى مسؤول في الدولة ممكنة، وهذا لعمري سقف رفيع جدا يجب أن يعلمه الرقيب حتى يرفع فكي مقصه عن رقاب الكلمات والتعابير. وتحدث سمو ولي ولي العهد وكرر تعبير (الشفافية) كثيرا في عرضه لرؤية المملكة 2030، وهذه مؤشرات كفيلة بالتحرر من أسر الرقيب المتسلط، سواء في أعماق الإعلاميين أو الكتاب أو حتى المتلقين.
إن من الحرية المحمودة، بل من شرفها أن يملك المرؤوس القدرة على الإفضاء إلى رئيسه بما يزعجه مشافهة وجها لوجه، أو عن طريق المكاتبة، وإن فقد هذه الحرية المضبوطة بالأدب الجم، والأسلوب المهذب والغاية النبيلة، فسيكون أقل إنتاجية، وفوق ذلك سيكون بؤرة تثبيط لهمم الآخرين، دائبا في تشويه رئيسه إلى درجة التمرد ربما، فقد ولى زمن الكبت وإلجام الأفواه على الجمر حتى مع أطفالنا. وحين ينادي العقلاء بحرية التعبير، لا يعني ذلك الانفلات اللفظي، أو المروق عن ثوابتنا الدينية والاجتماعية، بل يعني أن يعبر الشخص عما يشعر به تجاه أمر ما، أو عن انطباعه، دون تأثير من الرقيب الداخلي، ولا خوف من الرقيب الخارجي (شبه العاطل).
وكيما أختتم هذه المقالة، سأعرج على النقد، فالنقد حين يكون لمجرد النقد فلن يثمر مطلقا، لأن باعثه غالبا سيكون بعيدا عن الموضوعية. والنقد باب من الأبواب الشائكة، طرقه ملغومة بقراءة النوايا، وغالبا ما يلقى الناقد الهادف الكثير من العنت في شرح وجهات نظره، حتى يتبلد حسه ولا يبالي بكل ما يقال له أو يحاك ضده، فقد كون قناعات في أعماقه أن الناس غالبا لا تحب النقد. واسأل النقاد بأنواعهم عما يجدونه حين ينقدون نصا أدبيا أو عملا فنيا أو حتى عادة اجتماعية، فما بالك حين ينقدون أداء أجهزة ومؤسسات وشخصيات اعتبارية!
تعريجي على النقد ليس للنقد في حد ذاته، لكن للوقوف على أسباب جفائنا له، فمبعث الجفاء يأتي من ضيق مساحة حرية التعبير، فلأننا تعودنا على مراعاة مشاعر الآخر حتى لو كان مخطئا، وواربنا رؤانا صار النقد غريبا، والناقد وقحا مريبا، وقراءة نواياه الواقعية وغير الواقعية وربطها بمصالحه الماضية والمستقبلية واجبة حتى نقف على خبث ذاته، ثم تحذير الآخرين منه، وربما تصل إلى معاقبته حتى ينطبق عليه «كأنما ألقمه حجرا»!