فائز صالح جمال

قرارات التوطين ومكافحة التستر.. فشل مزمن

الاحد - 12 يونيو 2016

Sun - 12 Jun 2016

من أحدث قرارات التوطين قرار سعودة محلات بيع وصيانة أجهزة الجوال بنسبة 100 % خلال 6 أشهر، وهو نموذج جديد لتجارب التوطين المبني على قرارات غير واقعية ولا تستند إلى مراقبة دقيقة للواقع ودراسة أسباب تشكله.

وقد أنتجت المرحلة الأولى من تنفيذ هذا القرار والمهلة المحددة بثلاثة أشهر التي صادف انتهاؤها بداية شهر رمضان المبارك إغلاق جل المحلات لعدم قدرتها على الوفاء برفع نسبة التوظيف إلى 50 %؛ فما بالنا بتحقيق نسبة 100 % بعد تمام الأشهر الستة وهي المهلة النهائية لسعودة هذه المحلات بنسبة 100 %.

عدم الواقعية في القرار – كما معظم القرارات السابقة - تأتي من عدم وجود أعداد كافية من المواطنين (الراغبين) و(القادرين) في إشغال الوظائف التي يتم قصر إشغالها على المواطنين.. فليس كل العاطلين عن العمل قادرين على العمل في مجال محلات بيع وصيانة الجوالات، وإن كانوا قادرين فليس كلهم راغبين في العمل في هذا المجال.. وهو ما انطبق على عشرات الوظائف التي تم صدور قرارات بقصرها على المواطنين وما زالت إلى اليوم تُشغل بوافدين وإن بمسميات وظيفية مختلفة عن تلك المقصورة على المواطنين لنفس الأسباب وهو عدم الرغبة أو عدم القدرة على شغلها.

ثم إن إجمالي أعداد العاطلين – الراغبين والقادرين على العمل- من المواطنين ذكورا وإناثا أقل من الأعداد المطلوبة لتحقيق نسب التوطين المفروضة بموجب نظام نطاقات على القطاعات المختلفة لمؤسسات القطاع الخاص.

لقد ظلت قرارات التوطين تراوح حول الفرض والإلزام لمؤسسات القطاع الخاص والذي فيما يبدو هو الطريق الأسهل والأقصر بالنسبة للجهات المعنية بالتوطين؛ وفشل قرارات التوطين المتكرر في تحقيق أهدافها أفسح المجال لتمكين العمالة الوافدة وتفشي التستر التجاري، وأهملت هذه الجهات البدائل الأخرى لتوطين الوظائف وتوطين الأسواق من خلال تمكين المواطن من ممارسة التجارة وتسهيل دخوله لهذا المجال.

إن تركيز الجهات المعنية بالتوطين على الفرض والإلزام لمؤسسات القطاع الخاص شكل ضغوطا هائلة عليها بالأخص الصغيرة والمتوسطة منها، وضيّق على المواطن التاجر الجاد، وأفسح المجال للمواطن المتستر والوافد المتستر عليه، فانكمشت المؤسسات بدلا من أن تتوسع، وبالتالي ضعفت قدرة القطاع الخاص على خلق الفرص الوظيفية، بل تقلصت الفرص بإفلاس آلاف التجارات الصغيرة والمتوسطة وانضمام أصحابها إلى صفوف العاطلين.

إن استراتيجية التمكين والتسهيل لممارسة التجارة للمواطن سوف تحقق جملة من المنافع، من بينها توطين الوظائف وخلق المزيد منها، ومنها تقليص مساحات التستر التجاري التي اتسعت رقعتها حتى تكاد تهيمن على كامل الأسواق، للحد الذي دفع بالكاتب جمال خاشقجي إلى وصف الحال بأنه احتلال للسوق السعودي.

إن مكافحة التستر التجاري نسمع عنها ولا نكاد نرى لها أثرا يذكر، بينما يحتاج الأمر إلى عزيمة ومواجهة عملية جادة لآفة التستر من خلال العمل على مسارين: الأول التمكين للمواطن الجاد، والثاني المكافحة للمواطن المتستر.

إن أعظم مخاطر التستر التجاري والتمكين له – عن غير قصد - تكمن في تحولنا كمواطنين إلى أصحاب اليد السفلى، بينما يصبح الوافد هو صاحب اليد العليا، وهذا مشاهد بالمناسبة في دول عديدة منها بعض الدول الأفريقية، حيث تجد الغربيين والآسيويين وبعض العرب هم الأثرياء والسادة فيها بينما يعيش كثير من أهلها الفقر والجهل والمرض؛ لأن التستر يحولنا إلى مجتمع كسول متطفل وعالة على إنتاجية الآخرين، وهو ما سوف ينشر الجهل والفقر والمرض بيننا مقارنة بمن نتستر عليهم، ونقبل منهم الفتات مقابل الكسل والدعة والارتخاء.