وحيد الغامدي

كيف يُصنع الفارق الأخلاقي؟

الخميس - 09 يونيو 2016

Thu - 09 Jun 2016

في الفيلم الأمريكي الشهير (نهاية العالم 2012) كان هناك مشهد فلسفي رائع لحكيم صيني، وشاب جاء ليسأله عن شيء، فقام الحكيم وصب الشاي حتى فاض من الفنجان واستمر في صب الشاي حتى كاد أن يفيض من الصينية التي تفصل ما بين الشاب والشيخ الحكيم، فصرخ الشاب: كفى كفى إن الشاي ينسكب على الأرض، فرمقه الرجل الحكيم بنظرة حملت معها كل تجارب السنين في لحظة، ثم قال: إن عقلك كهذا الفنجان، يجب عليك أن تفرغه تماما لتصل إلى حقائق الأشياء!

يولد الطفل وهو لا يعرف إلى أي مجتمع أو دين أو مذهب ينتمي، ثم يبدأ يتلوّن بلون البيئة ويتطبع بتضاريسها الثقافية، وهذا يفتح في أذهاننا أسئلة من نوع خاص آن لنا اليوم أن نبسط الحديث بشكل جاد عن حيثياتها:

- لماذا يكون العامل غير المسلم أكثر أخلاقا وصدقا وأمانة من العامل المسلم؟

- هل هناك نوع خاص من التربية يُحقن بها الأطفال في البيئة غير المسلمة تختلف تماما عن البيئة المسلمة؟

إن جزءا كبيرا من الأزمة الأخلاقية التي يعيشها المسلمون اليوم هي أزمة أولويات تربوية تستحوذ على الجزء الأكبر من التأسيس الثقافي الذي يتم حقن الأطفال به. فالأولويات في بعض البلدان الإسلامية تكون لصورة محددة من (العقيدة)، وفي بلدان أخرى لصورة محددة من (القومية)، في حين أن (الإنسانية) والقيم المفترضة لأخلاقياتها الرفيعة كالصدق والإخلاص والتسامح.. مغيّبة تماما من قائمة الأولويات، ومن هنا نشاهد أجيالا من المسلمين يصح فيهم وصف: متدينون جدا وفاسدون جدا، وذلك أنه قد تم تأسيس النشء ليكون (عقائديا)، لا أن يكون إنسانا بالمعنى الحقيقي والعميق للمدلول الإنساني وآفاقه وقيمه التابعة.

هذا هو السرّ في كون العامل أو العاملة من غير المسلمين أكثر إخلاصا وصدقا وأمانة من العامل أو العاملة المسلمَينِ في المجمل ولا أعمّم، وذلك أن النوع الأول قد تم حقنه إنسانيا بالقيم اللازمة لتكوينه الإنساني، ولذلك فقد يأخذ مفهوم الأخلاق جانبا معنويا آخر أكثر عمقا عند غير المسلمين، بينما عند أكثر المسلمين يأخذ مفهوم الأخلاق شكلا ماديا يلتصق ببعض المفاهيم الشرقية للأخلاق، دون بقية الآفاق الأخرى للمدلول الأخلاقي.

مشكلتنا في العالم العربي أننا أمة تمشي الوعظية في دمائها، فنريد من الأبناء أن يكونوا فقهاء منذ ولادتهم، فقد تجد أبا يُجبر ابنه ليدخل حلقة تحفيظ القرآن، ونتيجة ذلك سينحرم الابن من اللعب، ثم يحصل أن يرتكب الابن بعض السلوكيات السيئة، ثم نتساءل حينها: كيف لم يهذبه القرآن؟ والجواب أبسط بكثير.. إن الابن منذ البداية لم يكن إلا مجبرا على الدخول في هذا البرنامج القرآني الذي يطمح منه كثير من الآباء المفاخرة المجردة بابن يحفظ القرآن، ولكن دون أدنى اهتمام بمصير هذا الابن حين يقع في مشكلة كيف يمكن له أن يحل مشكلته؟ ذلك الطفل الذي لم يأخذ حقه في استكشاف ذاته وقدراته في اللعب، كيف سيواجه الحياة؟

عودة إلى لب الموضوع، سأطرح بعض الأسئلة:

- ألا يمكن تأجيل بعض المشاريع التي يراد من الصغار تنفيذها في سن مبكرة إلى وقت آخر، واستثمار مرحلتهم المبكرة في التأسيس الإنساني والقيمي المثمر؟

- ما الذي يراد من طفل دون الخامسة عشرة وهو غير مكلف شرعا؟

- لم لا نجرب إعادة ترتيب الأولويات في ذهنية النشء في الممارسة التربوية، فنضع الأولوية لكل ما يتعلق بقيمة الإنسان ليصنع تميّزه كإنسان عن بقية الكائنات الغريزية، ثم نضع فيما دونها متعلقات الهوية والبيئة وملحقاتها المتعددة؟