هادي فقيهي

لماذا ستشاهد إعلان فيمتو 65656 مرة؟

الثلاثاء - 07 يونيو 2016

Tue - 07 Jun 2016

هذا المقال ليس إعلانا لفيمتو.

ولكن إذا كنت تبحث عن إعلان لهذا المنتج فكل ما عليك فعله هو مواصلة تقليب هذه الصحيفة أو التسمر لساعة أو أقل أمام التلفاز لتشاهد تكرارا أزليا لذات الدعاية طوال أيام شهر رمضان ومن قبل شركات يعرفها الجميع ولا يحتاجون إلى من يذكرهم بها. أليس من الغباء أن تقوم هذه الشركات بصرف الملايين على دعايات تذكرنا بالبحث عن الريموت بمجرد ظهورها؟

كلا!

تصل تكلفة دقيقة إعلان واحدة في قناة مثل ام بي سي مصر إلى 25 ألف ريال خلال رمضان. ومن ينفق مبلغا كهذا من المؤكد أنه يملك مبررات كافية لإنفاق موارد الشركة المالية على إعلانات يتحاشى الجمهور مشاهدتها. فالإعلان الذي لا يؤدي إلى زيادة غير معتادة في الاستهلاك يعد هدرا للوقت والمال. وفي حين تخصص الشركات في قطاع الأغذية ثلث ميزانياتها التسويقية لشهر يتوقف فيه الناس عن الأكل والشرب لمدة 15 ساعة في اليوم، فإن نتيجة هذا الجهد تتمثل في زيادة إنفاقنا على الطعام ونحن صائمون بنسب تصل إلى الضعف حسب بعض التقديرات. آلة الإعلان تعمل.. وتعمل بنجاح.

فكيف تغير الإعلانات صورة رمضان في ذهنك؟

الفكرة التي يغرسها هذا الحشو من الدعايات والعروض هي أن رمضان شهر للاستهلاك ومن الطبيعي أن تستقبله بجيب مفتوح ليصبح إنفاق الضعف على ميزانية التسوق أمرا بديهيا ومتوقعا. هذا المفهوم يعرف في سلوك المستهلك بالمحاسبة الذهنية والذي يشير إلى أن المستهلكين يتحكمون في إنفاقهم عبر وضع حد أقصى للمبلغ الذي يستحقه صنف أو مناسبة ما. وطريقتنا في بناء هذه المحاسبة تعتمد على تجاربنا وما نتعلمه من الآخرين لمعرفة الفارق بين الاقتصاد والإسراف في كل مناسبة. ولهذا السبب تجدك تكاسر بائع الخضراوات في سعر كيلو طماطم لتظفر بخصم ريالين بينما تنفق أضعاف ذلك في ستاربكس؛ لكل منتج قيمته العادلة في حاسبتك الذهنية. وربما تفشل فيمتو بعد كل إعلاناتها في إقناعك بتناول مشروب من ماء وسكر، ولكنها تنجح مع مئات الشركات الأخرى في تغيير معنى رمضان في ذاكرتك ومحفظتك.

والدراسات التي أجريت لتحليل سلوك المستهلكين خلال فترات التسوق مثل رمضان والأعياد وجدت أن المستهلك في هذه المواسم يفحص المنتجات بصورة أقل ويشتريها دون تردد أو تفكير لأن الشراء تحول إلى غاية في هذه المناسبة وليس مجرد وسيلة. وليس غريبا أن نتذكر كل مناسبة بنوع المنتجات التي نفترض أن نشتريها ليكتمل احتفالنا بها.

ولا يتوقف أثر الإعلانات الموسمية عند تغيير طريقة الإنفاق بل يمتد إلى تغيير طريقة الاستهلاك والاستمتاع بالمنتج ذاته. ففي دراسة مختبرية لمعرفة أثر الإعلانات على تفاعل أدمغة المستهلكين مع منتج مثل كوكاكولا تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين: المجموعة الأولى تناولت المشروب من كأس زجاجي دون معرفة الشركة المصنعة، وأما المجموعة الثانية فتناولت المشروب من زجاجة كوكاكولا المعروفة. وجدت التجربة أن تفاعل المجموعة الأولى اقتصر على الأجزاء الدماغية المتعلقة بالتذوق والاستمتاع، بينما امتد تفاعل المجموعة الثانية إلى الأجزاء المسؤولة عن الذكريات. ومصدر هذه الذكريات كانت الصور والأغاني والكلمات التي تحملها إعلانات كوكاكولا. أي إن الإعلان غير الطريقة التي يستشعر فيها جهازك العصبي منتجا مثل كوكاكولا.

لهذا السبب تحاول الشركات جاهدة تجديد ارتباطها برمضان والمعاني الخاصة التي يحملها ليصبح لفيمتو أو تانج أو قشطة الصافي طعم ذكريات الشهر، وهو الطعم الذي يجعلها ألذ مما هي عليه. وفي شهر تتنافس فيه كبرى العلامات على ذكريات المستهلكين المحدودة، فإن التكرار هو الطريقة الأكيدة لضمان حضور هذه الذكريات وعدم استبدالها بصور منتجات أخرى.

هل أخبرك أحد بأن طعم فيمتو في رمضان ألذ من باقي السنة؟ لم يكذب.