رمضان.. ساحة للخير وموسم للبركة
السوق
السوق
الأحد - 05 يونيو 2016
Sun - 05 Jun 2016
بفضل من الله ومِنّةٍ منه، يُطل على أُمة الإسلام شهرُ رمضان، وبتوفيق من المولى ورحمة، يعيدنا إلى رِحابه، ورِحابه كلها إيمان.
أتى رمضان مزرعة العباد
لتطهير القلوب من الفساد
فأدِّ حقوقه قولاً وفعلاً
وزادك فاتخذه إلى معاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها
تأوه نادماً يوم الحصاد
ويقول آخر:
عامٌ تولّى فعاد الشهر يطلبنا كأننا لم نكن يوماً ولا كانا
يا باغي الخير هذا شهر مكرمةٍ أقبِل بصدقٍ جزاك الله إحسانا
فكل عام وأنتم بخير.. كل عام والأمة المسلمة بخير.. كل عام وقيادتنا الرشيدة بخير.. كل عام وخادم الحرمين بخير وللخير ساعٍ ومن أجله عامل ومُجاهد ليعمَّ الخير أرجَاء الوطن ويشمل كل ديار العرب والمسلمين.
تهنئةٌ أرفعها إلى صاحب السموّ الملكي ولي العهد الأمين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وإلى صاحب السموّ الملكي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وإلى الأسرة السعودية الكبيرة وإلى الشعوب العربية والمسلمة، في هذا الشهر الكريم الطيب المبارك. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {*} أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {*} شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) 183-185 سورة البقرة.
وفي هذه الآيات الكريمة ذكرٌ لما أنعم الله به عزّ وجلّ على عباده. وقد فرض عليهم صيام رمضان، والذي به مصلحةٌ للخلق في كل زمان. ففيه تنشيطٌ لهذه الأمة للمسارعة إلى الأعمال الصالحة والخصال المانحة للأجر والعفو والثواب. ولا شكّ أن في حكمة مشروعية الصيام الكثير من التقوى، ففيه امتثال لأوامرِ الله، واجتناب لما نَهَى عنه العباد، والتقوى هنا تتضح جليةً واضحة، حين يجتنب الصائم ما مُنِع عنه من أكل وشرب ولذةٍ تميل نحوها نفسه، قُربةً من مولاه، تاركاً ما يتمناه على قدرته على فعله، لعلمه بأن الله مطّلع عليه، ولهذا جاء في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزِي به».
وسبحان من جعل هذه الطاعة وهذا الامتثال موسماً تكثُر فيه الطاعات، والطاعة من خصال التقوى، وجعله موسماً لأسمى الأحاسيس وأنبلَ المشاعر فلولاه ما أدرك غنيٌ معنى الجوع، ولا استشعر مُوسِرٌ معاناة المُعدمين، وفي هذا تجسيدٌ لمعنى التقوى. وفيه تجسيدٌ لمعنى الرحمة الإلهية، بأن جعله – أي الصيام – أياماً معدودات. ووهب المريض والمسافر فيه رخصةً إلى أيام أُخَر. والرحمة كلمةٌ تتجلى في أعظم صورها في قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) عن كل يوم يفطرونه، وكان هذا في ابتداء فرض الصوم، لما كانوا غير معتادين عليه، فرغّبهم المولى الحكيم بأسهل الطرق، وخيّر المطيقَ للصوم بين أن يصوم، وهو أفضل أو يُطعِم، ولهذا قال (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ)، ثم بعد ذلك جعل الصيام فرضاً على المُطيق وغير المُطيق يفطر ويقضيه في أيام أُخَر.
وما أروع هذه الحكمة الربانية التي تعلمنا أن الإسلام دين اليسر لا دين العسر.. وأن مراعاة ظروف المكلفين واجبٌ عند التشريع أو طلب التطبيق. وهو درس في التربية النفسية التي تضع في اعتبارها طبائع النفوس، ومن أعلم بها من الله خالقها تبارك وتعالى، فلما قرر الخالق الصيام وبيّن فضله وكلمة الله في تخصيصه قال (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وفي هذا عزيزي القارئ تأكيد الصيام على القادر الصحيح الحاضر، ولكنه سبحانه وتعالى أعاد الرخصة للمريض والمسافر، لئلا يُعتقد أن الرخصة أيضاً قد نُسِخت فقال عزّ من قائل (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، أي يريد تبارك وتعالى أن ييسر على عباده الدروب المؤدية إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهّلها أبلغ تسهيل. وسبحان الله، ما بال بعض الخلق يضيقون على خلق الله تضييقاً ما أنزل الله به من سلطان!
لقد كان جميعُ ما أمرَ الله به عباده في غاية السهولة في أصله، وإذا حدثت بعض العوارض لثقله، سهله سبحانه وتعالى تسهيلاً آخر، إمَّا بإسقاطه، أو تخفيفه. وهذه جملةٌ لا يمكن تفصيلها في هذا المقام، لأن هذا التفصيل يدخل في جميع التشريعات وفي جميع الرخص والتخفيفات.
وصلى الله وسلّم على المبعوث رحمةً للعالمين وهو يقول: «افعل ولا حرج»، قاصداً التخفيف على الناس ودون المساس بالأصول والأركان.. والسنّة المحمدية تجمع التيسيرات التي تفرقت في كتب الفقه، ولهذا نجد من العلماء من يأخذ بهذه الرخصة ولا يأخذ بالأخرى، ومنهم من يأخذ بغيرها ويدعها، بينما السنة المطهرة وسعت كل ذلك. ومع هذا لا يزال البعض هداهم الله يتمسكون بما يريدون، وليس هذا فحسب فهذا شأنهم، لكنهم يحاولون فرضه على الناس أجمعين.
الناس في هذا الموسم الكريم، كل جوارحهم وجوانحهم بفضل الله مهيأة للخير مقبلةٌ عليه راغبةٌ فيه، ذلك أن الإسلام دين الفطرة ودين المحبة والتسامح. ولا شهر يكثُر فيه هذا كله وغيره من حميد الخصال وصالح الأفعال أكثر من شهر رمضان: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)، هذا الشهر العظيم الذي حدث فيه فضل الله العظيم، نزول القرآن، الذي يشتمل على الهداية لصالح الدنيا والدين، والفرقان بين الحق والباطل، فحقيق بشهرٍ هذا فضله وهذا إحسان الله علينا فيه أن يكون ساحةً للخير وموسماً للبركة. وكم تمثّل أهلنا جزاهم الله خيراً تلك الحكمة الإلهية من فرض الصيام مع مراعاة الطبائع والنفوس واختلاف القدرات والطاقات، وطبَّقوا هذا معنا ونحن صغار فكانوا في بداية الأمر يكلفوننا بالصيام أحياناً بعد العودة من الكُتّاب أو المدرسة، والكل يعلم مواسم الحرّ في مكة المكرمة ومُعظم مدن المملكة الحبيبة. فنصلي الصلاة المفروضة ونذهب للنوم، حتى يقترب موعد - المدفع – مدفع الإفطار، وكانت القلعة التي ينطلق منها المدفع قريبةً لدرجة كبيرة من الدور المكية المحيطة بالحرم الشريف، وكانوا يصفقون لنا ويشجعوننا لحظة الإفطار معهم وكأننا صوّام مثلهم.. ويأخذ الأمر في التدرج كلما أخذ العمر في التدرج، وهم يعلمون أنهم بتضييقهم علينا من أجل الصيام ونحن دون القدرة على ذلك، فقد يدفعوننا إلى الغش والكذب، فما أسهل أن يرشف طفلٌ شربة ماء، حتى ولو أثناء الوضوء.. وكان من المداعبة أن يسألوا الصغار «لا تكون صايم من ورا الزير»؟!
نعم إن رمضان أيها الأعزاء، مدرسة إيمانية عابقة بروائح الإيمان ونسائم الرحمان ونفحات الجنان، التي تجعل النفوس تسبح في أجواء من المحبة والسلام، ولا شيء يعلو فوق الكلمة الرمضانية العظيمة «إني صائم».
يقول الحبيب عليه صلوات ربي وملائكته وسلام الناس أجمعين: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم». وكما تعلمون الرفث: هو الفحش في القول، والصخبُ هو الصياح. وكم أتمنى لو يكتمل كما يشاء الله صوم الناس بعيداً عن السباب والصراخ والذي قد يجرح صيامهم ويقلل من حكمة الصوم، وقد يسيء إلى الروحانية الرمضانية التي تدفعنا في كل موقف وموقع إلى الصبر والتسامح لتكتمل هذه الصورة الإيمانية التي تمدّ نفوسنا بكثير من مقومات المحبة وتبعد عنها البغضاء والشحناء.
كل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
[email protected]
أتى رمضان مزرعة العباد
لتطهير القلوب من الفساد
فأدِّ حقوقه قولاً وفعلاً
وزادك فاتخذه إلى معاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها
تأوه نادماً يوم الحصاد
ويقول آخر:
عامٌ تولّى فعاد الشهر يطلبنا كأننا لم نكن يوماً ولا كانا
يا باغي الخير هذا شهر مكرمةٍ أقبِل بصدقٍ جزاك الله إحسانا
فكل عام وأنتم بخير.. كل عام والأمة المسلمة بخير.. كل عام وقيادتنا الرشيدة بخير.. كل عام وخادم الحرمين بخير وللخير ساعٍ ومن أجله عامل ومُجاهد ليعمَّ الخير أرجَاء الوطن ويشمل كل ديار العرب والمسلمين.
تهنئةٌ أرفعها إلى صاحب السموّ الملكي ولي العهد الأمين الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وإلى صاحب السموّ الملكي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وإلى الأسرة السعودية الكبيرة وإلى الشعوب العربية والمسلمة، في هذا الشهر الكريم الطيب المبارك. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {*} أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {*} شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) 183-185 سورة البقرة.
وفي هذه الآيات الكريمة ذكرٌ لما أنعم الله به عزّ وجلّ على عباده. وقد فرض عليهم صيام رمضان، والذي به مصلحةٌ للخلق في كل زمان. ففيه تنشيطٌ لهذه الأمة للمسارعة إلى الأعمال الصالحة والخصال المانحة للأجر والعفو والثواب. ولا شكّ أن في حكمة مشروعية الصيام الكثير من التقوى، ففيه امتثال لأوامرِ الله، واجتناب لما نَهَى عنه العباد، والتقوى هنا تتضح جليةً واضحة، حين يجتنب الصائم ما مُنِع عنه من أكل وشرب ولذةٍ تميل نحوها نفسه، قُربةً من مولاه، تاركاً ما يتمناه على قدرته على فعله، لعلمه بأن الله مطّلع عليه، ولهذا جاء في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزِي به».
وسبحان من جعل هذه الطاعة وهذا الامتثال موسماً تكثُر فيه الطاعات، والطاعة من خصال التقوى، وجعله موسماً لأسمى الأحاسيس وأنبلَ المشاعر فلولاه ما أدرك غنيٌ معنى الجوع، ولا استشعر مُوسِرٌ معاناة المُعدمين، وفي هذا تجسيدٌ لمعنى التقوى. وفيه تجسيدٌ لمعنى الرحمة الإلهية، بأن جعله – أي الصيام – أياماً معدودات. ووهب المريض والمسافر فيه رخصةً إلى أيام أُخَر. والرحمة كلمةٌ تتجلى في أعظم صورها في قوله: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) عن كل يوم يفطرونه، وكان هذا في ابتداء فرض الصوم، لما كانوا غير معتادين عليه، فرغّبهم المولى الحكيم بأسهل الطرق، وخيّر المطيقَ للصوم بين أن يصوم، وهو أفضل أو يُطعِم، ولهذا قال (وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ)، ثم بعد ذلك جعل الصيام فرضاً على المُطيق وغير المُطيق يفطر ويقضيه في أيام أُخَر.
وما أروع هذه الحكمة الربانية التي تعلمنا أن الإسلام دين اليسر لا دين العسر.. وأن مراعاة ظروف المكلفين واجبٌ عند التشريع أو طلب التطبيق. وهو درس في التربية النفسية التي تضع في اعتبارها طبائع النفوس، ومن أعلم بها من الله خالقها تبارك وتعالى، فلما قرر الخالق الصيام وبيّن فضله وكلمة الله في تخصيصه قال (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وفي هذا عزيزي القارئ تأكيد الصيام على القادر الصحيح الحاضر، ولكنه سبحانه وتعالى أعاد الرخصة للمريض والمسافر، لئلا يُعتقد أن الرخصة أيضاً قد نُسِخت فقال عزّ من قائل (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، أي يريد تبارك وتعالى أن ييسر على عباده الدروب المؤدية إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهّلها أبلغ تسهيل. وسبحان الله، ما بال بعض الخلق يضيقون على خلق الله تضييقاً ما أنزل الله به من سلطان!
لقد كان جميعُ ما أمرَ الله به عباده في غاية السهولة في أصله، وإذا حدثت بعض العوارض لثقله، سهله سبحانه وتعالى تسهيلاً آخر، إمَّا بإسقاطه، أو تخفيفه. وهذه جملةٌ لا يمكن تفصيلها في هذا المقام، لأن هذا التفصيل يدخل في جميع التشريعات وفي جميع الرخص والتخفيفات.
وصلى الله وسلّم على المبعوث رحمةً للعالمين وهو يقول: «افعل ولا حرج»، قاصداً التخفيف على الناس ودون المساس بالأصول والأركان.. والسنّة المحمدية تجمع التيسيرات التي تفرقت في كتب الفقه، ولهذا نجد من العلماء من يأخذ بهذه الرخصة ولا يأخذ بالأخرى، ومنهم من يأخذ بغيرها ويدعها، بينما السنة المطهرة وسعت كل ذلك. ومع هذا لا يزال البعض هداهم الله يتمسكون بما يريدون، وليس هذا فحسب فهذا شأنهم، لكنهم يحاولون فرضه على الناس أجمعين.
الناس في هذا الموسم الكريم، كل جوارحهم وجوانحهم بفضل الله مهيأة للخير مقبلةٌ عليه راغبةٌ فيه، ذلك أن الإسلام دين الفطرة ودين المحبة والتسامح. ولا شهر يكثُر فيه هذا كله وغيره من حميد الخصال وصالح الأفعال أكثر من شهر رمضان: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)، هذا الشهر العظيم الذي حدث فيه فضل الله العظيم، نزول القرآن، الذي يشتمل على الهداية لصالح الدنيا والدين، والفرقان بين الحق والباطل، فحقيق بشهرٍ هذا فضله وهذا إحسان الله علينا فيه أن يكون ساحةً للخير وموسماً للبركة. وكم تمثّل أهلنا جزاهم الله خيراً تلك الحكمة الإلهية من فرض الصيام مع مراعاة الطبائع والنفوس واختلاف القدرات والطاقات، وطبَّقوا هذا معنا ونحن صغار فكانوا في بداية الأمر يكلفوننا بالصيام أحياناً بعد العودة من الكُتّاب أو المدرسة، والكل يعلم مواسم الحرّ في مكة المكرمة ومُعظم مدن المملكة الحبيبة. فنصلي الصلاة المفروضة ونذهب للنوم، حتى يقترب موعد - المدفع – مدفع الإفطار، وكانت القلعة التي ينطلق منها المدفع قريبةً لدرجة كبيرة من الدور المكية المحيطة بالحرم الشريف، وكانوا يصفقون لنا ويشجعوننا لحظة الإفطار معهم وكأننا صوّام مثلهم.. ويأخذ الأمر في التدرج كلما أخذ العمر في التدرج، وهم يعلمون أنهم بتضييقهم علينا من أجل الصيام ونحن دون القدرة على ذلك، فقد يدفعوننا إلى الغش والكذب، فما أسهل أن يرشف طفلٌ شربة ماء، حتى ولو أثناء الوضوء.. وكان من المداعبة أن يسألوا الصغار «لا تكون صايم من ورا الزير»؟!
نعم إن رمضان أيها الأعزاء، مدرسة إيمانية عابقة بروائح الإيمان ونسائم الرحمان ونفحات الجنان، التي تجعل النفوس تسبح في أجواء من المحبة والسلام، ولا شيء يعلو فوق الكلمة الرمضانية العظيمة «إني صائم».
يقول الحبيب عليه صلوات ربي وملائكته وسلام الناس أجمعين: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم». وكما تعلمون الرفث: هو الفحش في القول، والصخبُ هو الصياح. وكم أتمنى لو يكتمل كما يشاء الله صوم الناس بعيداً عن السباب والصراخ والذي قد يجرح صيامهم ويقلل من حكمة الصوم، وقد يسيء إلى الروحانية الرمضانية التي تدفعنا في كل موقف وموقع إلى الصبر والتسامح لتكتمل هذه الصورة الإيمانية التي تمدّ نفوسنا بكثير من مقومات المحبة وتبعد عنها البغضاء والشحناء.
كل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
[email protected]