فتنة الثراء

ما هو الأثر الذي يمكن أن يحدثه اليسار والغنى في الإنسان بعد حالة الفاقة والحاجة، وهل يمكن أن يتحول المرء بذلك إلى شخص آخر تماما في أخلاقه وأحواله النفسية فضلا عن مظاهر الحياة المعتادة،

ما هو الأثر الذي يمكن أن يحدثه اليسار والغنى في الإنسان بعد حالة الفاقة والحاجة، وهل يمكن أن يتحول المرء بذلك إلى شخص آخر تماما في أخلاقه وأحواله النفسية فضلا عن مظاهر الحياة المعتادة،

الاثنين - 22 ديسمبر 2014

Mon - 22 Dec 2014



ما هو الأثر الذي يمكن أن يحدثه اليسار والغنى في الإنسان بعد حالة الفاقة والحاجة، وهل يمكن أن يتحول المرء بذلك إلى شخص آخر تماما في أخلاقه وأحواله النفسية فضلا عن مظاهر الحياة المعتادة، وإلى أي حد يمكن أن يكون ذلك تغيرا طبيعيا مقبولا يسير وفق سنن الحياة المركبة في طبائع الناس.

تبدو المسألة للمغرمين بالتحليل النفسي والشخصي وأصحاب النظر والدقة في معرفة وتأمل أحوال من حولهم مسألة مثيرة حقا، وموضعا مناسبا لاكتشاف معادن هؤلاء الناس وصفاتهم المستترة، وقد كان الحكماء قديما يربطون قدرة الإنسان على اكتشاف حقائق وصفات من حوله بالسفر معهم أو بالمجاورة لهم في السكنى أو من خلال المعاملة بالدرهم والدينار، وأما اليوم فلم يعد السفر بما فيه من رفاه وسهولة كاشفا لمعادن الناس ولم يعد الجوار دالا على أخلاق الجار لضعف تواصل الناس وعدم حاجتهم لبعضهم ولم يصمد في هذه المعادلة إلا المعاملة المالية وتبعا لها حدوث الغنى للمرء وتحسن أحواله الاقتصادية وانتقاله إلى طبقة الأغنياء والأثرياء، فقد أصبحت هي المعيار الأهم في ظهور صفاء وصدق معدن من حدث له ذلك.

ولذلك فقد ترى من هؤلاء من يفقد توازنه ويكون حاله خليطا بين الكبر والمظهرية الزائفة والسرف والتفاخر المعلن لإشباع مكون نقص داخلي لديه تجاه حالته الأولى، وقد ترى من يحاول أن يتناسى الماضي ولا يحب أن يذكره به أحد ممن حوله وكأنما ولد على هذه الحالة الجديدة، وقد ترى من يقطع صلته بماضيه على مستوى الأصحاب والمنطقة التي يسكنها والأعمال التي كان يمارسها بل ربما تحاشى المسجد الذي كان يصلي فيه ليصنع من نفسه شخصا جديدا وليمحو صورته الأولى من أذهان الناس مع أنه إنما كان يعيش حياة طبيعية يشاركه أكثر الناس في مثلها، وقد ترى من يتجاوز ذلك كله ليتحول إلى كاذب يصنع الأوهام والخيالات حين يتحدث عن ماضيه، وغيرها من مظاهر الخلل النفسي والإيماني الذي قد يحدثه اليسار والثراء في أحوال بعض الناس.

ومع وجود هذه النماذج المحزنة إلا أنك ستجد بالمقابل من هو على خلاف ذلك فتراه وقد كساه التواضع ورأى فضل الله عليه ومنته بتغيير حاله إلى الأفضل ماديا فيزداد قربا من الناس وإحسانا لمن كان يعرفه في الزمن الأول وتراه وإن تمتع بما رزقه الله ثابتا على حالته النفسية الأولى من سكينة وحسن خلق وأدب وطيب معشر، فلا يستنكف أن يخالط أصحابه السابقين ولا ينقطع عن مجالستهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم بل يرى لهم عليه فضلا وحقا فيذكر لهم ذلك ويحفظه لهم، وشأنه كما قيل: إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا.. من كان يألفهم في المنزل الخشن.

والعجيب في القصة أن المال لم يكن لهذين الصنفين إلا اختبارا على المستوى النفسي والإيماني فمنهم من أخفق ومنهم من سلم والله المستعان.