السـر في السكان لا في المسكن!

الأحد - 05 يونيو 2016

Sun - 05 Jun 2016

معظم معاناتنا الماضية والحالية والمستقبلة تنبت من التناسب العكسي بين الموارد الحياتية الأساسية (الماء، الزرع، الضرع...) ومعها رقعات من الأرض القابلة للسكنى من جهة، وأيضاً قلة ضبط النمو السكاني بالإنجاب المفرط والمزواجيات المتنوعة! منذ 1970م، ومنذ 9 (خطط خمسية تنموية)، وكان البنك الدولي مستشارنا في الخطة الأولى في البداية ثم بقية البيوتات الاستشارية (وآخرها شركة ماكينزي)، والكل دأب على تنبيهنا إلى المستوى العالي في النمو السكاني. والآن، ومع الخطة العاشرة.. والوضع يتكرر! ولقد مررنا بطفرات من أسعار النفط، ومرّت بنا، فكان سعره حوالي (دولار واحد وثلث للبرميل) قبيل بدء الخطة الخمسية الأولى، في 1970م؛ ثم تزايد حتى وصل ذروة الذرى قبل سنتين إلى قرابة الـ150$؛ ثم تجدنا حاليا نعارك ونفارك لنصل إلـى 50 $.

وكنا قد بقينا على وهج السعر المرتفع، فغضّينا الطرف عن مشكلات أساسية، مثل:

1) التزايد (السكاني) نتيجة الإفراط في الإنجاب والمتزامن مع التفنن في الزواجات والمزواجيات في أنواع بلغت الـ9: من المسيار إلى المسفار، زائداً 7 أنواع أخرى!

2) مستوى الندرة النسبي لمقومات الحياة الأساسية، ابتداء بالماء والزرع والصحة والتعليم والضرع!

3) ومع هذا وذاك كان هناك اكتظاظ حاد وضغط شديد على المرافق والخدمات.

وزير العمل السابق/‏‏ وزير التخطيط الحالي تحدث في منتدى جدة الاقتصادي منذ سنتين، وأشار إلى تقديرات وإحصاءات البطالة؛ وفي نفس الجلسة نوه أيضا إلى تنامي أعداد خريجي وخريجات الثانوية فذكر قرابة 3/‏‏1 المليون! ثم ذكر خريجي الجامعات بعامة.. ولمّح إلى صعوبة استيعاب سوق العمالة. (لكنه فقط ألمح ولـمّح). وتظهر الاستحالة المؤلمة ما بين اللهث في اتجاهين: 1- الرغبة في الوصول إلى عالم العمل؛ و 2- تباعد المرمى وتطاول مضمار الركض وتزاحم الراكضين! ووجدنا أن كثيرا من الناس عندنا، في العام وفي الخاص، يتعمدون الإشارة إلى «مساحة» المملكة بعد أن يقدروها بحوالي 2 مليون كم مربع؛ ثم يسارعون فيركنون إلى ذلك الرقم و(يفترضون) إمكان استيعاب تلك المساحة لكامل الـ30 مليونا حاليا بين مواطن ومقيم في بحبوحة. هكذا!

بل وتجد كثيرا منهم يتجاهل بوضوح لا أدري كيف يسمحون لأنفسهم به.. عن التفكير في قلة مقومات الحياة الأساسية، الماء والكلأ مثلا.. فضلا عن النوعية في اكتمال المرافق، وتكامل الخدمات! فتجد بعض الناس عندنا ينسون، بل يتناسون أن المساحة الكلية لا تعني شيئا يذكر، وأنها -لوحدها- لا تفيد. فانظر إلى مصر، مثلا، من ناحية المقارنة بين جملة المساحة وتواجد معظم السكان على شريط مخضوضر رهيف على جانبي النيل، وبين فرعي دلتا النيل، دمياط ورشيد. ثم تجد نسبة ليست هينة من السكان تتكدس في هيئة عشوائيات متناثرة.. كانت قد بدأت ونمت بصفة غير قانونية. فتجد هناك في مصر، حيث النيل بكل عظمته وتاريخه وجلاله.. نسبة لا تصل الـ10 % من (مجموع مساحة البلد)! فكيف بحالنا نحن، ونحن في منطقة جافة، وغالبها غير ذي زرع، وليس لدينا حتى غدير. بل، وتجدنا نستنفد حتى المياه الجوفية التي تجمعت منذ آلاف السنين؛ ولا ولن تكفي محطات تحلية مياه البحر.. ولو أقيمت صفوفا على طول السواحل!

وإذا ما ركزنا فقط على قطاعين اثنين عندنا: التعليم والزراعة.. فبحسب إحصاءات المركز الاستشاري للجدوى الاقتصادية بجدة (‏31 مايو 2016): فالتعليم زاد طلابه (2004-2014)، فقفز عددهم بـ858 ألفا، بزيادة 20 % (الخمس!)؛ منها، في الثانوية وحدها، فكانت الزيادة 416 ألف طالب وطالبة (بزيادة 49 % خلال عقد واحد!).

وسنجد أن الأعداد في تزايد مستمر. وسيضغط خريجو الثانوية بشدة خلال السنوات القليلة القادمة على القبول بالجامعات والمؤسسات التعليمية والتقنية المختلفة. (وإنه لا يمكن استيعاب هالتدفق المنهمر). ولتجدن جموعا من الخريجين عند أبواب سوق العمل التي لا تتسع إلا لنسبة صغيرة من خريجي إجمالي طلاب الجامعات. ففي عام 2014، كان نحو 1.6 مليون، منهم 86 % (1.3مليون بمرحلة البكالوريوس)؛ وقد تخرج منهم نحو 200 ألف طالب وطالبة. وزاد عدد الخريجات (57 % من إجمالي المتخرجين). والكل يرنو -عن بعد- نحو الوصول إلى سوق العمل، بل ويأمل في ولوجه!

أما إحصاءاته الزراعية، فتقول بأن الرقعة الزراعية قد (انحسرت)، من 1,571 ألف هكتار في 1992، إلى 695 ألف هكتار في 2013 (بنسبة انخفاض 56 %) فالإنتاج الزراعي نما ببطء ولم يلب حاجة السوق: ففي 2000 بلغ الإنتاج 8.6 ملايين طن، وارتفع إلى فقط 9.3 ملايين طن في عام 2013، (=زيادة 8.5 % فقط، خلال 13 سنة!) وفي ظل أسعار النفط الحالية -وفي المستقبل المنظور- فإذا جمعت كل رقعات الأرض القابلة للسكنى، ومع تزاحم السكان نتيجة الإفراط في التناسل والمزواجيات، ثم تدفقهم إلى مؤسسات التعليم؛ ومع المزيد من إنهاك المرافق والخدمات، فأي خطة تنموية واقعية يمكنها الجمع بين الطرفين المتقارعين؟ وهل يمكننا الاستمرار في التغافل عن قلة الموارد الحيوية والطبيعية أساسا؟ وهل سيمكننا المضي في إغفال الأعداد المتزايدة للمستهلكين.. السكان!؟