حنان المرحبي

المصدر أم المعلومة.. فيمن أثق أولا؟

الأحد - 29 مايو 2016

Sun - 29 May 2016

بعد انتشار مصادر المعلومات والأخبار ومع استمرار تصاعد أعداد مستخدمي شبكات التواصل، تضاعفت كمية المعلومات المنشورة بشكل قد لا يستوعب دهشتك، وظهر تحد جديد لاختبار الموثوقية، أثار أمامنا تساؤلا مربكا: في من يجب أن أثق به أو لا، المعلومة أم المصدر (قائلها)؟

في السابق، كانت المنابر (الوسائل الإعلامية) محدودة ومكلفة، لهذا كنا لا نرى أو نسمع سوى من أشخاص معدودين أو جهات محدودة، وكنا نبني الموثوقية في المصدر أولا، على أساس سلامة وجودة ما كان يقدمه في الماضي وأيضا بناء على ثقتنا في نزاهته (التي كانت تقودنا إلى قبول أي جديد وغريب يقدمه). لكن اليوم، هناك الآلاف من المتحدثين والكتاب (المصادر) وهناك الملايين من المعلومات المنشورة. ومحاولة تقييمها كلها أو تحديد أيها أجدر بالثقة أصبح أمرا شبه مستحيل.

تتحدد جودة المعلومة من خلال ثلاثة أمور، الأول: براعة أسلوب تقديمها (الوضوح)، والثاني ملاءمتها لظروف ومشكلات الشخص الذي يستقبلها (relevance)، ثالثا، قوة وموثوقية المصدر (أي حينما لا يرتبط اسمه بأخطاء وتضليلات سابقة).

بالنسبة للأمر الأول، أسلوب التقديم. قد يتم عرض معلومة قيمة وملائمة لاحتياج المتلقي ولكن بأسلوب مبهم للغاية، يكلف المتلقي وقتا وجهدا كبيرين لفهمها، وقد تضطره إلى تجاهلها. وهذا الأمر يخفض جودتها.

أما الأمر الثاني، الملاءمة. قد تعرض عليك معلومة جديدة وغريبة ولكنها واضحة جدا وسهلة الفهم وتشعر أنها قريبة من ظروفك وزمانك. السبب الذي يجعلها واضحة وملائمة، برغم غرابتها، هو أنها ممتدة عن أفكار مألوفة لديك مسبقا (تملك خلفية جيدة عن معطياتها، ما يسهل عليك تصور تبعاتها، فترتاح لها وتقبلها).

والأمر الثالث، موثوقية المصدر. يتطلب تقييم جودة المصدر متابعة وتقييم تاريخي لمنشوراته الماضية وهو أمر يستحيل إنجازه مع المصادر الصاعدة (الجديدة)، حيث لا توجد لهم منشورات سابقة ليتم تقييمهم بناء عليها.

واليوم قد لا نملك الوقت لدراسة المنشورات الماضية لآلاف المتحدثين الموجودين على الساحة. فهل فقدنا القدرة على تقييم المصادر، وأصبحت تلزمنا المعرفة العلمية والثقافية والتاريخية لنتمكن من تقييم المعلومة ذاتها، بغض النظر عن قائلها؟

كل يوم تظهر أسماء جديدة، ومعلومات غريبة وأخرى محمسة، لكن سرعان ما نتمالك دهشتنا أو حماستنا ونقف موقف المحايدين منها مهما لفتت انتباهنا، والسبب هو أننا أصبحنا عاجزين تماما عن تقييمها.

فالمعلومة التي تقبلها ستجعلك ممثلا لها، وستصبح جزءا من إطارها الكبير الذي قد لا تملك رؤية واضحة عنه (و قد يكون مهترئا).

لماذا كل هذا؟ لأننا مجتمع إنساني، نبني حضارتنا ونعيش على تبادل المعارف وعلى الثقة. ضمور المعرفة يعطل سيرنا، وفقدان الثقة يصلبنا، فلا يتم أي تبادل ولا تبنى حضارة.