في خدمة الظاهرة الصوتية
الخميس - 12 مايو 2016
Thu - 12 May 2016
يسافر إلى دول الجوار من أجل مشاهدة فيلم جديد، ثم يعود إلى الوطن مؤيدا لمنظومة الممانعة في معارضتها للسينما! هذا الانفصام له حقيقة أكبر من كونه مجرد تناقض ظاهر، إنه تضامن وانسجام مع الظاهرة الصوتية المعلنة، الظاهرة الأكثر أمنا وراحة من إرهاق ذلك (الجدل) الذي يبحث في منطقيات الأشياء، وينقب عن تساؤلات تغمد نصلها في بنية الثقافة السائدة.
عناصر هيئة الأمر بالمعروف يجوبون الأسواق للتأكد من إغلاق المحلات والمتاجر وقت الأذان في حين أنهم يعلمون أن العاملين في تلك المحلات ربما أغلقوا على أنفسهم تلك المحلات دون الذهاب إلى الصلاة مع الجماعة. إن هذا الحرص من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف على (ظاهرة إغلاق المحلات وإيقاف التجارة) أكثر من حرصهم على (صلاة الإنسان نفسه) يأتي في سياق الرغبة في تحقيق مظاهر شعائرية معلنة تساعد على بقاء جذوة الظاهرة مشتعلة وتنضح بالوهج الديني الذي يعطي انطباعا عن تحقيق (مظاهر الدين) في مستويات بعض القيم والتصورات الاجتهادية التي يعتقد أنها أصول دينية، وأنها دلالة على نقاء المجتمع وتدينه، كما أنها تقدم صورة دعائية يراد لها أن تعكس شكل المظهر التديني للمجتمع.
من هنا نجد الرغبة في تحقيق الظاهرة وإعلانها وحمايتها أكثر من الرغبة في تحقيق الفلسفة الروحية لتلك الظاهرة نفسها، من أجل تعزيز وحماية ما يتصور أنه (خصوصية) ستعمل تلك المظاهر على حمايتها من التآكل، أو من اختراق الزمن وتحدياته، فمعارضة السينما أصبحت دلالة على الحرص على الفضيلة، وتأييدها خلاف ذلك، وربما ترسخ هذا المنطق حتى عند الكثيرين ممن يسافرون من أجل مشاهدة فيلم جديد، ثم يعودون (صالحين) يستنكرون السماح بافتتاح دور للسينما توفر عليهم أموالهم التي يبذلونها من أجل تلك الهواية، وكل ذلك من أجل بقاء تلك الظاهرة (التدينية) أو التي توحي بالتدين مشتعلة، أو أعلى صوتا، حتى وإن أضمرت في كواليسها ما لا يمكن تصديقه من التردي الأخلاقي والقيمي، وقس على ذلك كافة القضايا الجدلية التي أصبحت علامات فارقة في إسقاطات ثنائية (الخير والشر) أو (الحق والباطل) على من هم مع تلك الظاهرة، ومن هم ضدها، وهكذا.
الأمر تحول إلى ما يشبه (الشرعية) التي تضامن عليها الوعي الجمعي المطمئن للحماية التي يوفرها صخب تلك الظاهرة، فالعبارة: (افعل ما تريد، ولكن حافظ على صلاتك) قد أصبحت كالرخصة الممنوحة لممارسة الملذات بشيء من راحة الضمير، فطالما أن هناك (ظاهرة / صلاة جماعة / تأييد وتضامن مع الممانعة / محبة للدعاة والوعاظ / وكراهية للتغريب) فيمكن للإنسان أن يظل في دائرة (الراحة والأمان) الاجتماعيين اللذين يتقبلان ذلك الفرد بكل مساوئه وفواحشه ولا إنسانيته، لكنه قد لا يتقبله إن كان (جدليا) يعارض تلك القيم السابقة، أو شيئا منها، حتى مع نظافته واستقامته خلقيا وإنسانيا، طالما أنه ليس مذوبا تماما في جمهرة النغمة العامة.
هذا يجب أن يعيدنا إلى حقائق تمارس المساءلة لتلك الظواهر الصوتية بشيء من المحاكمة التي آن وقتها لنتبين ملامحنا في هذا الزمن:
هل نفذت تلك الظواهر حقا إلى جوهر كينونتها الفلسفية في النفوس؟
وهل حققت الإشباع الروحي والقيمي للإنسان المعاصر المتطلع؟
وهل نجحت أيضا في تشريب التدين أو القيم بشكل حاسم في وجدان الأجيال؟
أعتقد أن تلك الأسئلة، وغيرها، قد تجعلنا – وهذا المفترض – نعيد صياغة تقديراتنا للوعي بالأشياء ومنطقياتها الأولية، ويحملنا مسؤولية إيصال ثقافة أكثر نضجا لجيل قادم سيكون جيلا عمليا في زمن عملي، ولا أتصور أن يظل وفيا لثقافة تمارس الازدواجية وتطلب منه أن يبقى مرهقا بالتناقضات المتناسلة من بعضها.
عناصر هيئة الأمر بالمعروف يجوبون الأسواق للتأكد من إغلاق المحلات والمتاجر وقت الأذان في حين أنهم يعلمون أن العاملين في تلك المحلات ربما أغلقوا على أنفسهم تلك المحلات دون الذهاب إلى الصلاة مع الجماعة. إن هذا الحرص من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف على (ظاهرة إغلاق المحلات وإيقاف التجارة) أكثر من حرصهم على (صلاة الإنسان نفسه) يأتي في سياق الرغبة في تحقيق مظاهر شعائرية معلنة تساعد على بقاء جذوة الظاهرة مشتعلة وتنضح بالوهج الديني الذي يعطي انطباعا عن تحقيق (مظاهر الدين) في مستويات بعض القيم والتصورات الاجتهادية التي يعتقد أنها أصول دينية، وأنها دلالة على نقاء المجتمع وتدينه، كما أنها تقدم صورة دعائية يراد لها أن تعكس شكل المظهر التديني للمجتمع.
من هنا نجد الرغبة في تحقيق الظاهرة وإعلانها وحمايتها أكثر من الرغبة في تحقيق الفلسفة الروحية لتلك الظاهرة نفسها، من أجل تعزيز وحماية ما يتصور أنه (خصوصية) ستعمل تلك المظاهر على حمايتها من التآكل، أو من اختراق الزمن وتحدياته، فمعارضة السينما أصبحت دلالة على الحرص على الفضيلة، وتأييدها خلاف ذلك، وربما ترسخ هذا المنطق حتى عند الكثيرين ممن يسافرون من أجل مشاهدة فيلم جديد، ثم يعودون (صالحين) يستنكرون السماح بافتتاح دور للسينما توفر عليهم أموالهم التي يبذلونها من أجل تلك الهواية، وكل ذلك من أجل بقاء تلك الظاهرة (التدينية) أو التي توحي بالتدين مشتعلة، أو أعلى صوتا، حتى وإن أضمرت في كواليسها ما لا يمكن تصديقه من التردي الأخلاقي والقيمي، وقس على ذلك كافة القضايا الجدلية التي أصبحت علامات فارقة في إسقاطات ثنائية (الخير والشر) أو (الحق والباطل) على من هم مع تلك الظاهرة، ومن هم ضدها، وهكذا.
الأمر تحول إلى ما يشبه (الشرعية) التي تضامن عليها الوعي الجمعي المطمئن للحماية التي يوفرها صخب تلك الظاهرة، فالعبارة: (افعل ما تريد، ولكن حافظ على صلاتك) قد أصبحت كالرخصة الممنوحة لممارسة الملذات بشيء من راحة الضمير، فطالما أن هناك (ظاهرة / صلاة جماعة / تأييد وتضامن مع الممانعة / محبة للدعاة والوعاظ / وكراهية للتغريب) فيمكن للإنسان أن يظل في دائرة (الراحة والأمان) الاجتماعيين اللذين يتقبلان ذلك الفرد بكل مساوئه وفواحشه ولا إنسانيته، لكنه قد لا يتقبله إن كان (جدليا) يعارض تلك القيم السابقة، أو شيئا منها، حتى مع نظافته واستقامته خلقيا وإنسانيا، طالما أنه ليس مذوبا تماما في جمهرة النغمة العامة.
هذا يجب أن يعيدنا إلى حقائق تمارس المساءلة لتلك الظواهر الصوتية بشيء من المحاكمة التي آن وقتها لنتبين ملامحنا في هذا الزمن:
هل نفذت تلك الظواهر حقا إلى جوهر كينونتها الفلسفية في النفوس؟
وهل حققت الإشباع الروحي والقيمي للإنسان المعاصر المتطلع؟
وهل نجحت أيضا في تشريب التدين أو القيم بشكل حاسم في وجدان الأجيال؟
أعتقد أن تلك الأسئلة، وغيرها، قد تجعلنا – وهذا المفترض – نعيد صياغة تقديراتنا للوعي بالأشياء ومنطقياتها الأولية، ويحملنا مسؤولية إيصال ثقافة أكثر نضجا لجيل قادم سيكون جيلا عمليا في زمن عملي، ولا أتصور أن يظل وفيا لثقافة تمارس الازدواجية وتطلب منه أن يبقى مرهقا بالتناقضات المتناسلة من بعضها.