منى عبدالفتاح

لغز الأسماء

الأربعاء - 11 مايو 2016

Wed - 11 May 2016

عالم الأسماء ومدلولاتها مفاتيح لتخيلات ملأى بالإثارة. الانطباع العام عن أسماء الأشخاص تحدده سمات الشخصية المعينة حتى لو لم نرها، وذلك بمعلومات منقولة مسموعة أو مكتوبة، قد يصيب هذا الانطباع في النهاية أو يخيب. وأسماء الأماكن هي مفاتيحها أيضا، إلّا أنّ بعضها وقع عليها ظلم كبير جراء اسم تحمله لا يعبر عن حقيقتها وتؤثّر هذه المبالغة عليها سلبا أو إيجابا. فمثلا نحن نعرف أن رأس الرجاء الصالح، لم يكن صالحا وإنّما عندما طاف حوله المكتشف البرتغالي (بارثولوميودياز) عام 1488م وجد البحار هائجة فسماه رأس العواصف، ولأنّها تسمية تنفر من المرور عبره إلى الهند، غيّرها ملك البرتغال جون الثاني إلى رأس الرجاء الصالح.

على المستوى العربي فالأسماء عندنا تُقطع جزافا وبمزاجية عالية خاصة أسماء المدن والقرى والأماكن العامة التي ليس لها وجيع. وليس هناك من قاعدة معينة، فمن الممكن أن ترتبط بحدث مهم، أو تكون ذات خصوصية شعبية، كما أنّه من الوارد أن ترتبط بمزاج من يطلق الاسم وقتها لأي سبب، وقد ينال هذا الاسم المزاجي شهرة أكثر من غيره.

محاولات تغيير هذه الأسماء مهما كان منطق تغييرها، يكون غير ذي فائدة فهو أشبه بما يُسمى (الرّقّ الممسوح). وتم اشتقاق هذا المصطلح من لوح للكتابة كان يُستعمل في القرون الوسطى. وهو يحيل إلى حيث يمكن محو الكلام المنقوش الأصلي وكتابة كلام آخر فوقه مرة بعد مرة. فيما لم تُمح الكتابات السابقة تماما، ومع مرور الزمن كانت النتيجة في شكل مركب- رق ممسوح يمثل مجموع كل المحو والكتابات المتكررة. وهكذا يمكننا رؤية وجه الشبه مع أسماء نحاول تغييرها لتوحي بالمشهد كمجموع من المحو والإضافات، فيما يبقى الاسم الأصلي مهما كانت مثالبه ثابتا.

أخذت قبل فترة في توظيف معطيات الاسم في السياق الحياتي عندما يتعذر عليّ الإدراك من وقائع الحال، فاستعنت به لمعرفة ميول الأصدقاء و»محبوباتهم ومكروهاتهم» كما يقول أهل الفقه. نجحت هذه الآلية حينا وفشلت في كثير من الأحيان. وهذا طبيعي لأنّ ما يتمناه الأهل في أبنائهم وبناتهم من صفات وخصال، ليس الاسم ضامنا لها، ولكن لا ضير من أن تكون من باب التفاؤل والتمني. ولكن من ذا الذي لا يتفق معي في أنّ هذه الخصال تتلون حسب درجة قرب القريب وبعده عنك، فمثلا إذا توسمت في صديق بعض خصال جميلة ونزلت على اسمه تنقّب في ملامحه، فقد لا يكون كريما مثلما يقول اسمه، وقد يكون أخا للتعاسة بينما اسمه سعيدا.

في مثل هذه الحالات تكون الأسماء هي محض تمنيات عالم مفض إلى أكوان الخيال والسحر والأوهام الجميلة للروح المتعبة. فمخزون الذاكرة عبر القصص يعيد تأليفه وفقا للموعود، وتكييف اللاوعي مع كل إطلالة للواقع يشكّله فيخرجه أحلاما ورؤى، ويبدّل الشخصيات ويربط بعضها بأدوار ليست لها في الحقيقة وإنّما في فهم اللاوعي لوظائفها ويدخل أحداثا إلى أمكنة ليست مسرحها.

في استنادي إلى بعض المفاهيم المرتكزة في صيرورتها على الخبرة القليلة نوعا ما في هذه الحياة الدنيا فإنّ ما تحقق للآخرين الذين عركتهم الحياة وعركوها من إنجازات وتغيير وتجديد في مسيرة حياتهم المغموسة في الواقع وكفاية أنفسهم شر توجسات العالم المثالي والخيالي، مهما قلّ شأن هذه الخبرة فهو على أية حال أكثر مما يوفّره الاسم بمفهوم تجريده الانطباعي في الحكم على من يحمله.

ليس مهما أن نأتي باسم لم تأتِ به الأوائل، ولكن المهم أن يكون الاسم ذا دلالة ولا يقف بك عند باب الاستفهام للبحث عمّا وراءه. وبالتأكيد لن تكون منطقية دعوة الناس إلى ترك الواقع للعيش في أضابير وهم الأسماء للنظر إلى ما وراءها، ولكن بعض الخيال جميل، وبعض الأمل زاد للحياة.

[email protected]