الدولة وشرعية الإنجاز
الأربعاء - 11 مايو 2016
Wed - 11 May 2016
كتبت في الأسبوع الماضي مقالا بعنوان (الحاكمية وشرعية الدولة دينيّا)، وكان عن شرعية الدولة في الخطاب الحركي واختصارها بقضية الحاكمية مع إهمال توفر متطلبات الشرعية الأخرى، وقد ألمحت في المقال إلى (شرعية الإنجاز)، وقد أثار المقال ردود فعل من بعض المتابعين الذين يختزلون شرعية السلطة بقضية الحاكمية، وهذا ما دفعني اليوم للعودة إلى تبيين فكرة (شرعية الإنجاز) التي في اعتقادي هي أكثر الشرعيات مناسبة لواقعنا العربي، وذلك أن الشرعيات التي تتأسس عليها السلطة ليست محصورة في أمر واحد، فهناك شرعية التأسيس، وهي استمداد السلطة لشرعيتها بتأسيس الدولة إما بتوحيد أجزاء وأقاليم وصهرها في دولة واحدة كما حصل في تأسيس المملكة، أو بالنضال وتحرير الوطن من الاستعمار، وهناك الشرعية الثورية، وهي الشرعية الناتجة عن عمل ثوري تسلمت السلطة فيه قيادة الثورة، والشرعية الانتخابية، وهي أن تكون السلطة منتخبة بطريقة ديمقراطية، والشرعية الدينية- وفق التنظير الحركي الإسلامي - وهي أن تطبق السلطة أحكام الشريعة في كلياتها وجزئياتها، وثمة شرعية خامسة، وهي شرعية الإنجاز، وهي حيازة السلطة للشرعية بإنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية مما يحقق رفعة الوطن ورفاهية الشعب، وقد تتصف السلطة بأكثر من شرعية من هذه الشرعيات الخمس. والقارئ للفكر السياسي العربي بتيَّارَيْه الإسلامي والليبرالي يلحظ أن الشرعية لدى هذين التيارين لا تخرج عن (الشرعية الانتخابية)، و(الشرعية الدينية)، فالحركي الإسلامي يختصر الشرعية بالشرعية الدينية وفق نظرية الحاكمية كما نظَّر لها أبوالأعلى المودودي وسيد قطب دون أي اعتبار آخر لوظائف الدولة التي تتحقق بها شرعيتها كالعدل، وحفظ الكرامة، وتوفير الحرية والأمن، فشرعية الدولة لديه مرتبطة بتحكيم الشريعة في كل جزئياتها، وقد ناقشت هذه الدعوى في المقال السابق، وأوضحت أنه مع الإقرار بإجماع العلماء على وجوب تحكيم الشريعة، إلا أن الشرعية الدينية تكتسبها السلطة بمجرد إقامة شعائر الإسلام الظاهرة كما في ورد في قول الرسول (ص): «شرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم، ويلعنونكم. قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟، فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة»، وفي حديث عبادة بن الصامت وذكر مبايعتهم للرسول (ص) على أمور منها: «وألا ننازع الأمر أهله، قال صلى الله عليه وسلم: إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان»، فمن مجموع الحديثين يتبين أن شرعية السلطة الدينية تتحقق بإقامة شعيرة الصلاة، أي إقامة شعائر الإسلام الظاهرة التي بها يعرف أنه مسلم، حيث ربط الرسول صلى الله عليه وسلم كفر السلطة بترك إقامة شعيرة الصلاة، ولم يربطها بترك تحكيم الشريعة.
والليبرالي يختصر الشرعية بصناديق الانتخابات، فلا شرعية للسلطة لديه إلا الشرعية التي تأتي عن طريق الانتخاب، ولا تسقط الشرعية إلا بانتخابات جديدة، فالشرعية لدي التيارين مرتبطة إما بالدين أو بصندوق الاقتراع، وعليه فهي تُكْتَسب بكُلِّيتِها وتُفْقَد بكليتها،
وأما شرعية الإنجاز فهي شرعية تتمثل بقدرة السلطة على تلبية متطلبات الشعب في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فهي شرعية مرتبطة بالإنجاز، ولهذا فهي شرعية تمثل للحاكم تحديّا؛ لأنه قد يفقدها في أي لحظة نتيجة إخفاقه في الإنجاز، وهذه الشرعية هي التي لها الحضور الحقيقي لدى الغالبية من الشعوب، خاصة شعوب العالم الثالث كالشعوب العربية، فالغالبية لا تعنيها الانتخابات أو الشرعية الدينية بقدر عنايتها بتوفر إنجازات السلطة الاقتصادية المتمثلة بارتفاع الدخل، والقضاء على البطالة، وتوفر التعليم والسكن، وإنجازات السلطة الأخرى كتوفر الأمن، وتحكيم القانون، والعدل في أحكام القضاء، فبمثل هذه الإنجازات تتحقق شرعية الإنجاز، ولو لم يكن ثمة انتخاب أو الحاكمية كما يعبر عنها الخطاب الحركي، يقول عبدالإله بلقزيز: «طُعن بشرعية النظام السياسي الصيني، بدعوى أنه غير ديمقراطي؟ من يقول ذلك ينسى اثنين من أضخم إنجازاته بل من أضخم الإنجازات في العالم في السبعين عامًا الأخيرة: قيادة حركة التحرر الوطني في الصين، والقضاء على الفقر والأمية والتهميش، وتحويل الصين في أقل من ربع قرن إلى القوة الاقتصادية الثانية في العالم، وكم هو ضروري مراجعة الكثير من اليقينيات الفكرية والسياسية في مسألة الشرعية، ونقد النظرة التنميطية إليها، وما تُضمره تلك النظرة من نزعة مركزية أوروبية تتخذ قيم الغرب في الاقتصاد والاجتماع والسياسة معيارا، وتطالب العالم باحتذائه باسم كَوْنِيَّتِهِ».
[email protected]
والليبرالي يختصر الشرعية بصناديق الانتخابات، فلا شرعية للسلطة لديه إلا الشرعية التي تأتي عن طريق الانتخاب، ولا تسقط الشرعية إلا بانتخابات جديدة، فالشرعية لدي التيارين مرتبطة إما بالدين أو بصندوق الاقتراع، وعليه فهي تُكْتَسب بكُلِّيتِها وتُفْقَد بكليتها،
وأما شرعية الإنجاز فهي شرعية تتمثل بقدرة السلطة على تلبية متطلبات الشعب في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فهي شرعية مرتبطة بالإنجاز، ولهذا فهي شرعية تمثل للحاكم تحديّا؛ لأنه قد يفقدها في أي لحظة نتيجة إخفاقه في الإنجاز، وهذه الشرعية هي التي لها الحضور الحقيقي لدى الغالبية من الشعوب، خاصة شعوب العالم الثالث كالشعوب العربية، فالغالبية لا تعنيها الانتخابات أو الشرعية الدينية بقدر عنايتها بتوفر إنجازات السلطة الاقتصادية المتمثلة بارتفاع الدخل، والقضاء على البطالة، وتوفر التعليم والسكن، وإنجازات السلطة الأخرى كتوفر الأمن، وتحكيم القانون، والعدل في أحكام القضاء، فبمثل هذه الإنجازات تتحقق شرعية الإنجاز، ولو لم يكن ثمة انتخاب أو الحاكمية كما يعبر عنها الخطاب الحركي، يقول عبدالإله بلقزيز: «طُعن بشرعية النظام السياسي الصيني، بدعوى أنه غير ديمقراطي؟ من يقول ذلك ينسى اثنين من أضخم إنجازاته بل من أضخم الإنجازات في العالم في السبعين عامًا الأخيرة: قيادة حركة التحرر الوطني في الصين، والقضاء على الفقر والأمية والتهميش، وتحويل الصين في أقل من ربع قرن إلى القوة الاقتصادية الثانية في العالم، وكم هو ضروري مراجعة الكثير من اليقينيات الفكرية والسياسية في مسألة الشرعية، ونقد النظرة التنميطية إليها، وما تُضمره تلك النظرة من نزعة مركزية أوروبية تتخذ قيم الغرب في الاقتصاد والاجتماع والسياسة معيارا، وتطالب العالم باحتذائه باسم كَوْنِيَّتِهِ».
[email protected]