المناطق الآمنة تحديات ودروس تاريخية

السبت - 26 مارس 2016

Sat - 26 Mar 2016

u0645u0628u0646u0649 u0633u0643u0646u064a u062fu0645u0631u0647 u0637u064au0631u0627u0646 u0627u0644u0623u0633u062f u0628u062du0645u0635                      (u0631u0648u064au062au0631u0632)
مبنى سكني دمره طيران الأسد بحمص (رويترز)
فيما يواصل المجتمع الدولي مناقشة إمكان إنشاء ملاذات آمنة في سوريا لحماية ملايين المدنيين الذين شردتهم الحرب، تقدم دراسة موجزة صادرة عن معهد واشنطن حول العمليات الأخيرة الخاصة بالمناطق الآمنة نظرة متعمقة بشأن التحديات والفرص المرتبطة بالجهود الرامية إلى إنشاء هذه المناطق.

العراق 1991-1996

بعد إخراج القوات العراقية من الكويت خلال عملية عاصفة الصحراء (يناير - فبراير 1991)، قمع جيش نظام صدام حسين الانتفاضات التي اندلعت في أعقاب الحرب. وفي شمال العراق، توجه مئات الآلاف من الأكراد إلى الجبال وحاولوا دخول تركيا وإيران بحثا عن مأوى.

وردا على ذلك، نظمت الولايات المتحدة «عملية توفير الراحة» التي شملت نشر 20 ألف جندي من 13 بلدا بغية تأمين ملاذ آمن للأكراد في شمال العراق الذين وصل عددهم ما بين 500 إلى 700 ألف لاجئ. وفي الوقت نفسه، أنشأت القوات البرية ملاذا آمنا في الشمال خاليا من جيش صدام كما قامت طائرات التحالف بدوريات فوق منطقة حظر الطيران شمالا من خط العرض 36.

وبحلول يونيو 1991، عاد جميع الأكراد النازحين تقريبا إلى ديارهم في شمال العراق. وفي يناير 1997، تم إطلاق آلية لإنفاذ منطقة الحظر الجوي التي سُمّيت هذه المرة بـ»عملية المراقبة الشمالية»، وبقيت سارية المفعول إلى أن غزت قوات التحالف، العراق وأطاحت بصدام حسين في 2003.

البوسنة 1992-1995

في الوقت الذي دخلت فيه يوغوسلافيا السابقة باب الحرب الأهلية في أوائل التسعينات، وُسعت ولاية «قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة»، التي كانت منخرطة آنذاك في عملية حفظ السلام في كرواتيا، لتشمل مهمة إنسانية في البوسنة. وفي يونيو 1992، سمح قرار مجلس الأمن رقم 758 للقوة بتأمين مطار سراييفو وإقامة ممرات آمنة للقوافل لإيصال المواد الغذائية إلى المدينة المحاصرة. وفي أبريل 1993، عاد قرار مجلس الأمن رقم 819 ووسع ولاية «قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة» لتشمل حماية المدنيين الفارين من التطهير العرقي في سربرنيتشا، معلنا المدينة وضواحيها «منطقة آمنة».

وفي يوليو 1995، وقفت قوة صغيرة من «قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة» في سربرنيتشا مكتوفة الأيدي فيما تم فصل 8000 من الذكور المسلمين من مختلف الأعمار عن عامة السكان وقتلهم.

ليبيا 2011

في 2011 حاول نظام معمر القذافي القضاء على انتفاضة «الربيع العربي» في ليبيا، مما دفع بمجلس الأمن إلى اتخاذ قرارين: القرار 1970 الذي دعا القوات الحكومية إلى وقف الهجمات على المدنيين، والقرار 1973 الذي سمح للدول الأعضاء باتخاذ «كل الإجراءات اللازمة» لحماية المدنيين المعرضين للخطر. وعلى الرغم من أن هذا القرار الأخير سمح بإقامة منطقة حظر جوي، إلا أنه استبعد «قوة الاحتلال الأجنبية». وفي وقت لاحق إن عمليات الحظر الجوي التي فرضها حلف الناتو سمحت لقوات الثوار بإرساء الأمن في العديد من المناطق، نظرا إلى أن قوات القذافي على الأرض لم تعد قادرة على مغامرات كبرى أبعد من العاصمة ومن معاقلها في غرب ليبيا ووسطها. وفي حين لم يحدد القراران كيف ستتم حماية المدنيين من الهجمات البرية، إلا أن هذه المسألة أصبحت نقطة خلاف عندما تحولت عمليات منطقة الحظر الجوي إلى عمليات جوية هجومية ساعدت الثوار في النهاية على هزيمة قوات القذافي.

التداعيات

من نواح عديدة، يختلف الوضع الحالي في سوريا تماما عن الصراعات الماضية المذكورة أعلاه، بيد أن كل حالة من هذه الحالات تقدم دروسا مهمة لأي جهود لإقامة منطقة آمنة في سوريا مستقبلا. وعلى وجه الخصوص، يتطلب نجاح هذه العملية العوامل التالية:

1 - تفويض قانوني وتوجيه عملي لا لبس فيهما: سواء جاء على شكل قرار من قبل مجلس الأمن أو آلية قانونية أخرى، يجب على النص الذي يأذن بالعملية أن يكون واضحا بشكل لا لبس فيه. كما أن قواعد التدخل العسكري ستستند على هذه الولاية، ولا بد لها من أن تكون بسيطة ومباشرة، وتفهمها القوى المشاركة كافة.

2 - الوضوح حول الطرق والوسائل والغايات: ينبغي تحديد وضع نهائي قابل للتحقيق ووضع خارطة طريق قابلة للتنفيذ وذات مصداقية في خلال مرحلة التخطيط لأي عملية تتعلق بمنطقة آمنة. ويكمن الهدف النهائي في ضمان عودة النازحين واللاجئين أو إعادة توطينهم. ولأسباب عملية وسياسية، قد تكون الدبلوماسية المحيطة بالمرحلة النهائية من العملية أكثر صعوبة من الدبلوماسية المتعلقة بإنشائها.

3 - فريق أرضي- جوي قوي ومتوازن: على الرغم من أن منطقة الحظر الجوي هي جزء لا يتجزأ من العديد من عمليات المنطقة الآمنة، إلا أنها ليست كافية بمفردها لضمان ملاذ آمن ضد القوات البرية المعادية التي تتمتع بعزيمة قوية، كما شهدنا في البوسنة والعراق. فما نجح في ليبيا من عمليات جوية لن ينجح في سوريا، حيث العدد الكبير والمعقد من الفصائل الثائرة والمتطرفة التي تعمل على الأرض، والتي تتراوح من تلك الصديقة إلى المعادية، وحيث تساعد القوى الخارجية مباشرة في العمليات العسكرية للنظام.

4 - وحدة القيادة: إن وجود تسلسل قيادي واضح يُعدّ ضروريا بغض النظر عن مدى تعقيد هيكل القوة. ولا بد من وجود جهة اتصال واحدة مباشرة بين العناصر البرية والجوية لضمان تقديم الدعم في الوقت المناسب، ونشر المعلومات الاستخباراتية الحيوية، ومنع الاقتتال الداخلي، وحماية القوات البرية والمدنيين على حد سواء.

5 - بيئة سياسية مواتية: إن التوافق مع الدول المجاورة والشركاء الإقليميين أمر حاسم لضمان عدم تعطيل المفسدين للمهمة أو تخريبها. على سبيل المثال، أدت الهجمات التركية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق في بعض الأحيان إلى تعقيد عملية توفير الراحة. وبالمثل، عندما هاجمت القوات البرية العراقية في عهد صدام حسين الجيب الكردي في شمال العراق عام 1996، فإن قيود الدول المضيفة المفروضة على الطائرات الضاربة قد أعاقت جهود التحالف لتوفير الحماية.

إن أي عملية لإنشاء منطقة آمنة في سوريا تتجاهل الدروس المستخلصة من الماضي وتغفل هذه العناصر الرئيسة، قد تخاطر باحتمال أكبر للفشل ومزيد من المعاناة للمدنيين، فضلا عن إمكان توسيع أهداف المهمة، مما قد يؤدي إلى انتشار الصراع إلى درجة أكبر.