مشكلة التعليم «ثقافية»
الأربعاء - 23 مارس 2016
Wed - 23 Mar 2016
لا ترجع مشكلة ضعف التعليم لدينا إلى قصور في الإنفاق المادي عليه، فالمملكة تحتل المرتبة الثالثة ضمن الدول العشر الأولى الأكثر إنفاقا على التعليم، ولا ترجع إلى نقص المؤهلين والخبراء في شؤونه، ولا إلى إرادة التطوير والإصلاح والتجويد لمخرجاته. ولو كان ضعف التعليم وتفاقم مشكلاته يرجع إلى شيء من ذلك لكان الحل ميسورا، لتوافر الإمكانات وانحصار سبب المشكلة وظهوره. ولربما نبدو الآن أكثر اطمئنانا وثقة بمخرجات التعليم العام كلما عدنا أدراجنا في الزمن، إلى أجيال المتعلمين قبل عقود حين لم يكن الإنفاق المادي ولا الإمكانات ولا التأهيل ولا اتساع دائرة التعليم والاهتمام به بالقدر الذي نجده في السنين الأخيرة. وليس أدل على ذلك من نشاط بعض الفئات لإشاعة شعور الاطمئنان والثقة بالماضي، في عرض صور قديمة لأسئلة الامتحانات ـ مثلا- وتداولها في وسائط التواصل، أو في تداول عبارات ممتلئة بالحنين إلى ما كان يتصف به التعليم في الماضي بقدر اليأس والتشاؤم والأسى عليه في الحاضر.
وما دام ضعف التعليم لدينا لا يرجع إلى قصور في الإنفاق، ولا إلى قصور في الخبرات الإدارية المتخصصة التي تصوغ سبيل نهضته وتطويره، ولا إلى الرغبة في هذه النهضة والإرادة لها، فإننا أمام علة ثقافية اجتماعية تضعف التعليم الذي يتصدر مستويات التطور الاجتماعي كلها، ويكون بمثابة المفتاح لولوجها والترقي في درجاتها. وهذه علة تجاوز الفرد، بل تجاوز المجموعة من الأفراد إلى الكل الوطني وما في معناه. إنها الثقافة التي تمثل التصور الذي يحيط بالإنسان في مجتمعه فيمنحه هويته ونظرته إلى ذاته وإلى الحياة والعلم والعمل والعالم والقيم...إلخ. ولقد عاشت ثقافتنا الوطنية وما زالت استقطابا حادا وصراعا أيديولوجيا، فكل تيار يرى من حقه الاستئثار بصياغة هوية الوطن، وأنه الوحيد الذي ينبغي أن يمثل هويته. وظلت التيارات (ثورية قومية، وليبرالية، وصحوية إسلامية) تتبادل التنافي فيما بينها بقدر ما تتبادله مع سلطة الدولة. وتفشت، نتيجة لذلك، تشوهات من قبيل ما يمكن تسميته «اللامبالاة الوطنية»، وبدا الحصول على شهادة مقدما على الحصول على كفاءة ومستقلا عنه. واستخدمت بعض التيارات لتأكيد نفوذها التشكيك والاسترابة ورفع عقيرة التحذير والتثبيط في وجه أي محاولة جادة لتطوير التعليم وإصلاحه.
أما الأخطر من ذلك فهو صمت المسؤولين عن التعليم، ومواربتهم ما يتعرضون له من تهديد من قبل من يريد الهيمنة من التيارات، أو من قبل من اعتادوا على وضع لا يريدون تغييره، والظهور أحيانا بمظهر المحابي والمسترضي والمتملق، إن لم يكن الانتماء الحقيقي إلى بعض التيارات التي أعاقت إصلاح التعليم. حتى إذا قرأنا مقال معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى (في صحيفة الحياة، 20 مارس 2016م) بعنوان «تعليمنا إلى أين؟» رأينا منطقا مختلفا. فعلى الرغم من تعداد إنجازات التعليم في المقال والحديث عن بعض وجوه المصاعب التي يلاقيها المسؤول عنه، فقد كان أشبه بصرخة مدوية تعلن الأسى على التعليم، وتشير إلى العلة الثقافية في ضعفه التي تجاوز قدرة الوزارة بكاملها. ويتركز ذلك في إشارته إلى «أن نظامنا التعليمي لا يزال مكبلا بكم هائل من التحوطات والتوجسات المكتوبة وغير المكتوبة»، وإلى «الأنانية» و«إقحام التعليم في خضم صراع التيارات» و«الإعلام الجديد المشكك في كل خطوة جادة» و«الموظف المتكاسل الباحث عن الروتين والدعة».
إذا أردنا أن نصلح التعليم فلنحرره من الاستغلال الأيديولوجي والفئوي، ولنجعل الكفاءة والتأهيل العلمي والعملي شرط التوظيف والترقي الذي لا شرط غيره.
[email protected]
وما دام ضعف التعليم لدينا لا يرجع إلى قصور في الإنفاق، ولا إلى قصور في الخبرات الإدارية المتخصصة التي تصوغ سبيل نهضته وتطويره، ولا إلى الرغبة في هذه النهضة والإرادة لها، فإننا أمام علة ثقافية اجتماعية تضعف التعليم الذي يتصدر مستويات التطور الاجتماعي كلها، ويكون بمثابة المفتاح لولوجها والترقي في درجاتها. وهذه علة تجاوز الفرد، بل تجاوز المجموعة من الأفراد إلى الكل الوطني وما في معناه. إنها الثقافة التي تمثل التصور الذي يحيط بالإنسان في مجتمعه فيمنحه هويته ونظرته إلى ذاته وإلى الحياة والعلم والعمل والعالم والقيم...إلخ. ولقد عاشت ثقافتنا الوطنية وما زالت استقطابا حادا وصراعا أيديولوجيا، فكل تيار يرى من حقه الاستئثار بصياغة هوية الوطن، وأنه الوحيد الذي ينبغي أن يمثل هويته. وظلت التيارات (ثورية قومية، وليبرالية، وصحوية إسلامية) تتبادل التنافي فيما بينها بقدر ما تتبادله مع سلطة الدولة. وتفشت، نتيجة لذلك، تشوهات من قبيل ما يمكن تسميته «اللامبالاة الوطنية»، وبدا الحصول على شهادة مقدما على الحصول على كفاءة ومستقلا عنه. واستخدمت بعض التيارات لتأكيد نفوذها التشكيك والاسترابة ورفع عقيرة التحذير والتثبيط في وجه أي محاولة جادة لتطوير التعليم وإصلاحه.
أما الأخطر من ذلك فهو صمت المسؤولين عن التعليم، ومواربتهم ما يتعرضون له من تهديد من قبل من يريد الهيمنة من التيارات، أو من قبل من اعتادوا على وضع لا يريدون تغييره، والظهور أحيانا بمظهر المحابي والمسترضي والمتملق، إن لم يكن الانتماء الحقيقي إلى بعض التيارات التي أعاقت إصلاح التعليم. حتى إذا قرأنا مقال معالي وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى (في صحيفة الحياة، 20 مارس 2016م) بعنوان «تعليمنا إلى أين؟» رأينا منطقا مختلفا. فعلى الرغم من تعداد إنجازات التعليم في المقال والحديث عن بعض وجوه المصاعب التي يلاقيها المسؤول عنه، فقد كان أشبه بصرخة مدوية تعلن الأسى على التعليم، وتشير إلى العلة الثقافية في ضعفه التي تجاوز قدرة الوزارة بكاملها. ويتركز ذلك في إشارته إلى «أن نظامنا التعليمي لا يزال مكبلا بكم هائل من التحوطات والتوجسات المكتوبة وغير المكتوبة»، وإلى «الأنانية» و«إقحام التعليم في خضم صراع التيارات» و«الإعلام الجديد المشكك في كل خطوة جادة» و«الموظف المتكاسل الباحث عن الروتين والدعة».
إذا أردنا أن نصلح التعليم فلنحرره من الاستغلال الأيديولوجي والفئوي، ولنجعل الكفاءة والتأهيل العلمي والعملي شرط التوظيف والترقي الذي لا شرط غيره.
[email protected]