ما وراء التجاذبات
الخميس - 18 فبراير 2016
Thu - 18 Feb 2016
ما شاهدناه خلال الأيام الماضية وانقسام المجتمع بذلك الشكل ينبئ عن خلل حاد في التصورات حين يصبح جهاز حكومي - كهيئة الأمر بالمعروف - أيقونة فارقة بين من هم مع مفاهيم (الهوية / الفضيلة / العفة) وفق النسخة البيئية التي حصل فيها الكثير من التزييف، وبين من هم ضد الانتهاكات التي تجري باسم تلك المفاهيم والمزايدات التي تجري على معانيها لأغراض حزبية. هذه في الحقيقة خلاصة ذلك الانقسام، إلا أن جزءا من الصورة الغائبة لا يظهر لكثير من الناس عن خفايا صراع بات من الضروري الحديث عنه بكل شفافية؛ من أجل أن نتبين طريقا لمستقبلنا ومستقبل أجيالنا.
في مقالات سابقة أشرت إلى أن المزايدات على بعض المعاني القيمية في المجتمع تسهم في خلق حالة من الارتهان الجمعي للمنبر الذي يستخدم تلك الاستراتيجية في السيطرة على وعي الجماهير، وبالتالي تصبح شرائح اجتماعية واسعة أسيرة لذلك الخطاب فيسهل توجيهها إلى ذات الوجهة الحزبية التي قامت على تلك المفاهيم؛ بغية القفز من خلالها للسيطرة المطلوبة في تكوين مراكز نفوذ تسندها تلك القاعدة الجماهيرية التي ستدعم ذلك الخط الحزبي تلقائيا دون وعي اعتقادا منها بأنها تدعم (قيَمها) التي تحملها والتي حصل لها هي الأخرى الكثير من البرمجة المطلوبة لتلائم ملامح الطاقة الحزبية المتوثبة في فضاءات المزايدة.
سيظهر لنا أن دفاع (الرموز) ودوائرهم المقربة عن بعض الانتهاكات غير الإنسانية لجهاز الحسبة، والامتناع عن إدانة الأخطاء الواضحة، هو دفاع عن (المكتسبات) المتحققة، بينما دفاع بقية الجمهور البسيط مجرد دفاع عن تلك (القيم) المتخيلة بعد عقود طويلة من برمجتها ذهنيا لتصبح هي بذاتها القيم الفعلية التي تعطي شكل الهوية البديلة لمجتمع كانت له هويته الأكثر نقاء وبراءة وإنسانية قبل زمن التزييف الحزبي المبرمج.
إذا فهم الناس خلاصة الحكاية التي جرت على وعيهم وقيمهم (الحقيقية) وهويتهم التي تم استثمار تضاريسها المرتبطة بالمبادئ سنختصر حينها الكثير من الطريق الشاق والطويل في تأسيس وعي يمكنه بناء وطن يحظى فيه أبناؤه وبناته بالكرامة الإنسانية والحقوقية والعدالة المفترضة التي رسمتها الأنظمة، لكنها كثيرا ما تجد طريقها في التنفيذ أمام تشكيلات تعمل لمصلحتها، فتضيع معاني الوطن الحاضن.
حين شعر بعض الرموز بخطر زوال تلك المكانة الاجتماعية المتغلغلة بدؤوا في الربط الساذج – كعادتهم – بين منتقديهم وبين ما وصفوه بالأعداء، وفيما يبدو أنه قد تبين لهم ما لم يتبين لكل الأجهزة الأمنية والاستخبارية، لكن كل ذلك يدعونا اليوم إلى وقفة جادة تجاه كل تلك السطوة في المزايدات المتنوعة، والتي أضيفت إليها مؤخرا المزايدة في الوطنية، برغم أن ذاكرتنا لا تزال تحمل ذكرى ذلك الموقف الحزبي إبان حرب الخليج حين أثيرت تلك البلبلة في أحلك الظروف السياسية آنذاك.
الواقع والمستقبل يحتمان إنهاء هذه الأحادية في الرأي، وفتح نوافذ التعددية الفقهية والتنوع الطبيعي ليتاح للناس التصالح مع الحياة والأشياء من حولهم، وكل ذلك من أجل خلق بيئة صحية يعيش فيها المجتمع آمنا متماسكا، فما جرى في الأيام الماضية من انقسام ليس إلا بسبب التزييف في المفاهيم والذي لن يزول إلا بزوال تلك الأحادية المزعجة التي تهيئ البيئة المناسبة للغلو المفضي إلى الإرهاب بكل أشكاله. تلك الأحادية لا يفترض بها أصلا أن تكون عنوانا لبلد يحتضن الحرمين الشريفين مهوى أفئدة كل المسلمين في العالم بكل تنوعاتهم واختلافاتهم وأمزجتهم.
[email protected]
في مقالات سابقة أشرت إلى أن المزايدات على بعض المعاني القيمية في المجتمع تسهم في خلق حالة من الارتهان الجمعي للمنبر الذي يستخدم تلك الاستراتيجية في السيطرة على وعي الجماهير، وبالتالي تصبح شرائح اجتماعية واسعة أسيرة لذلك الخطاب فيسهل توجيهها إلى ذات الوجهة الحزبية التي قامت على تلك المفاهيم؛ بغية القفز من خلالها للسيطرة المطلوبة في تكوين مراكز نفوذ تسندها تلك القاعدة الجماهيرية التي ستدعم ذلك الخط الحزبي تلقائيا دون وعي اعتقادا منها بأنها تدعم (قيَمها) التي تحملها والتي حصل لها هي الأخرى الكثير من البرمجة المطلوبة لتلائم ملامح الطاقة الحزبية المتوثبة في فضاءات المزايدة.
سيظهر لنا أن دفاع (الرموز) ودوائرهم المقربة عن بعض الانتهاكات غير الإنسانية لجهاز الحسبة، والامتناع عن إدانة الأخطاء الواضحة، هو دفاع عن (المكتسبات) المتحققة، بينما دفاع بقية الجمهور البسيط مجرد دفاع عن تلك (القيم) المتخيلة بعد عقود طويلة من برمجتها ذهنيا لتصبح هي بذاتها القيم الفعلية التي تعطي شكل الهوية البديلة لمجتمع كانت له هويته الأكثر نقاء وبراءة وإنسانية قبل زمن التزييف الحزبي المبرمج.
إذا فهم الناس خلاصة الحكاية التي جرت على وعيهم وقيمهم (الحقيقية) وهويتهم التي تم استثمار تضاريسها المرتبطة بالمبادئ سنختصر حينها الكثير من الطريق الشاق والطويل في تأسيس وعي يمكنه بناء وطن يحظى فيه أبناؤه وبناته بالكرامة الإنسانية والحقوقية والعدالة المفترضة التي رسمتها الأنظمة، لكنها كثيرا ما تجد طريقها في التنفيذ أمام تشكيلات تعمل لمصلحتها، فتضيع معاني الوطن الحاضن.
حين شعر بعض الرموز بخطر زوال تلك المكانة الاجتماعية المتغلغلة بدؤوا في الربط الساذج – كعادتهم – بين منتقديهم وبين ما وصفوه بالأعداء، وفيما يبدو أنه قد تبين لهم ما لم يتبين لكل الأجهزة الأمنية والاستخبارية، لكن كل ذلك يدعونا اليوم إلى وقفة جادة تجاه كل تلك السطوة في المزايدات المتنوعة، والتي أضيفت إليها مؤخرا المزايدة في الوطنية، برغم أن ذاكرتنا لا تزال تحمل ذكرى ذلك الموقف الحزبي إبان حرب الخليج حين أثيرت تلك البلبلة في أحلك الظروف السياسية آنذاك.
الواقع والمستقبل يحتمان إنهاء هذه الأحادية في الرأي، وفتح نوافذ التعددية الفقهية والتنوع الطبيعي ليتاح للناس التصالح مع الحياة والأشياء من حولهم، وكل ذلك من أجل خلق بيئة صحية يعيش فيها المجتمع آمنا متماسكا، فما جرى في الأيام الماضية من انقسام ليس إلا بسبب التزييف في المفاهيم والذي لن يزول إلا بزوال تلك الأحادية المزعجة التي تهيئ البيئة المناسبة للغلو المفضي إلى الإرهاب بكل أشكاله. تلك الأحادية لا يفترض بها أصلا أن تكون عنوانا لبلد يحتضن الحرمين الشريفين مهوى أفئدة كل المسلمين في العالم بكل تنوعاتهم واختلافاتهم وأمزجتهم.
[email protected]