محمد العوفي

العلاقة بين التستر التجاري وتحويلات العمالة الوافدة

الاثنين - 15 فبراير 2016

Mon - 15 Feb 2016

اعتراف وزارة التجارة والصناعة الأخير حول ظاهرة التستر التجاري في البقالات، يمثل الحقيقة التي طالما تحدث عنها المجتمع دون أن تجد آذانا صاغية أو تحرك ساكنا لمحاربته، والقضاء عليه، أو الحد منه في أسوأ الأحوال، حتى أصبح ظاهرا للعيان بصورة لا يمكن السكوت عنها.

وألمحت الوزارة في بيانها أنها تعتزم اتباع إجراءات جديدة لمحاربته، من خلال تطوير النشاط، ووضع متطلبات فنية، واشتراط نقاط بيع، وتشجيع البيانات الكبيرة للدخول والمشاركة في السوق السعودية.

ظاهرة التستر التجاري ما كان لها أن تستشري لولا تواطؤ الكفيل (المواطن)، فهو شريك أساسي في تنامي هذا النشاط لأنه استقدم الوافد، وأنجز جميع الإجراءات المتعلقة باستخراج الترخيص والسجل التجاري تمهيدا لتسليمها للعامل مقابل مبلغ محدد يتقاضاه شهريا بغض النظر عن حجم دخل البقالة، رغم أنه يدرك أن هذا الإجراء غير صحيح، ومخالف للأنظمة والتعليمات المنظمة للنشاط التجاري.

هذا التواطؤ قاد إلى سيطرة الوافدين على نشاط «البقالات»؛ مما تسبب في خروج السعوديين من نشاط التجزئة والبقالات بشكل خاص، نتيجة تواطؤ أبناء جلدتهم مع الوافدين الآخرين الذين يعملون بشكل خاص في نشاط التسويق والتوزيع لمنتجات الشركات الكبيرة التي تغذي البقالات ومحلات التجزئة، من خلال منح كل جنسية الأولوية في التوزيع للبقالات التي يمتلكها أبناء جلدتهم في الحصول على المنتجات بشكل مستمر في الساعات المبكرة من اليوم، وفي المقابل لا تحظى بقالة المواطن إلا على ما تبقى من المنتجات، وبالتالي تعاني بقالته من نقص المواد التموينية، وعزوف الزبائن عنها، ويضطر للخروج من السوق، إضافة إلى تقديم هؤلاء الوافدين تسهيلات لأبناء جلدتهم فيما تعليق بآلية السداد والبيع الآجل، وفي المقابل لا يحظى السعودي بهذه التسهيلات، كما أن ذلك أفرز ظاهرة جديدة تتمثل في سيطرة جنسية وافدة معينة على نشاط معين دون باقي أنشطة التجزئة، فعلى سبيل المثال، يسيطر الهنود واليمنيون على البقالات، والبنجلاديشيون على مغاسل الملابس.. وهكذا.

تنامي ظاهرة التستر يمكن أن تفسر أو تقود إلى خيط يحل لغز ارتفاع حوالات العمالة الوافدة على مدار الـ15 عاما الماضية، فبعد أن كانت هذه الحوالات لا تتجاوز 21 مليار ريال في عام 2001، وصلت في العام الماضي لنحو 157 مليار ريال، فبدون التستر التجاري لا يمكن أن تصل تحويلات الأجانب إلى هذه المبالغ الكبيرة، مهما كان عدد العمالة الوافدة لدينا، لأن معظمهم يعملون في مهن بسيطة لا تتجاوز رواتبهم فيها ألفي ريال، وقد تقل عن هذا المبلغ.

وتتضح العلاقة بينهما بمقارنة حجم تحويلات العمالة الوافدة بمجموع الأجور السنوية لهم، فعلى سبيل المثال، بلغت تحويلات العمالة الوافدة نحو 78.5 مليار ريال في عام 2008، في مقابل مجموع أجور سنوية لا يتجاوز 66.2 مليار ريال، بزيادة بلغت نحو 19% عن الأجور، وفي عام 2014 وصلت تقديرات أجور العمالة الأجنبية لنحو 123.4 مليار ريال مقابل تحويلات سنوية بلغت 154.2 مليار ريال أي بزيادة تتجاوز 25%.

على أية حال، الإجراءات التي تعتزم وزارة التجارة والصناعة تطبيقها للحد من ظاهرة التستر التجاري في البقالات رغم إيجابياتها لن تكون وحدها كافية، ما لم تكن هناك محاربة للتستر من جميع النواحي، أولها مراقبة تحويلات الوافدين، وهو إجراء ممكن وليس مستحيلا، لكنه يتطلب تعاون جهات متعددة منها وزارة الداخلية متمثلة في مركز المعلومات الوطني، ووحدة التحريات المالية في الوزارة، إلى جانب مؤسسة النقد العربي السعودي من خلال ممارسة دورها الرقابي على البنوك في الكشف عن أي تحويلات مالية كبيرة لا تتناسب مع مهنة الوافد ودخله الشهري. فمن غير المعقول أن يحول وافد يعمل في بقالة متواضعة داخل حي تجاري متواضع براتب يتراوح بين 500 إلى 1500 ريال شهريا ضعفي هذا المبلغ أو أكثر دون أن يثير تساؤلا حول مصدر هذا الدخل.

ما أود قوله في الختام إن الخيط الأول للقضاء على التستر التجاري يكمن في مراقبة التحويلات المالية للعمالة الوافدة وضبطها، لأنها ستسهل كشف هذا التستر، والوصول للكفيل المتواطئ ومحاسبته ليتعظ غيره، ويصحح وضعه قبل أن تطاله يد المحاسبة.

[email protected]