ورحل الرفاق
تفاعل
تفاعل
الجمعة - 12 فبراير 2016
Fri - 12 Feb 2016
ورحل الرفاق؛ ربما يكون العنوان الأصدق حين نتذكر رحيل عضو أسرة الوادي المبارك، عضو نادي المدينة المنورة الأسبق المؤرخ الأديب العمّ ناجي محمد بن حسن الأنصاري - وقبله الرفيقان محمد العيد الخطراوي والعم حسن مصطفى صيرفي - رحمهم الله جميعا.
لا أدعي المجايلة، ولا التتلمذ على أولئك الرعيل، وإن كان ذلك مما يطول به عنق المرء - كما يقال - ولكنني أكاد أجزم أنني وفقت كثيرا في تناول تجربتهم الأدبية صحفيا، ومتابعة أعمالهم في العقدين الأخيرين.
وفي الوقت الذي قام فيه عدد من أعضاء نادي المدينة المنورة الأدبي بزيارة لمنزل العم ناجي الأنصاري قبل رحيله بأيام، يطمئنون على ظروفه الصحية، كنت أتأمل في شخصية هذا العلم، المربي الفاضل، أفتش في ملامحه، ومكتبته العامرة عن قصة جديدة أنشرها.
قدرنا كصحفيين أن يكون الحزن، في بعض الأحيان، نافذتنا، بوصلتنا أن نخرج بعنوان حتى وإن بللته الدموع، وعادة ما تتحول مواقف الوداع لدينا إلى مسارح للضوء نلج بها عوالم من نحب، وحتى من نختلف معه، لأن أنثى الصحافة لا تحكمها المشاعر أو تقبل شريكا بقدر ما يتمسك بها أرباب المهنة بمهنية يعدّونها عروتهم التي لا تنفصم.
حضرت عزاء العم ناجي في منزله الجديد العامر بأنفاسه اليوم، وقد اختار أن يبنيه على ضفاف وادي العقيق، بين تلك العرصات، التي وسم فيها أجمل ذكرياته وما تركه الرفاق.
ترك العم ناجي هناك لطلاب المعرفة ومحبي الثقافة، كما علمت من ابنه أيمن - حفظه الله - مكتبة عامرة تتجاوز عناوينها خمسة آلاف عنوان، يتجهون إلى فهرستها وفتح أبوابها، وكم أتمنى أن يكون للنادي اليد الطولى في ذلك.
كنت أعزي أيمن وفضول الصحافة يجلدني كعادته، ليسبقني إلى معرفة آخر ما خطته أنامله، وهو الذي لم ينقطع يوما عن علاقته بالنادي والمثقفين، حتى في أشدّ لحظات مرضه.
ولم يهدأ لي بال حتى خرجت وبيدي قصاصة من مخطوطة «الحكواتي» التي لم يكملها العم ناجي، حيث كان القدر أسرع إليه، ليتركنا مع ما يقارب ثلاثين صفحة منها شرع الأنصاريّ بكتابتها خلال شهر شوال من عام 1436هـ وهي قصة عاشها وهو ابن عشر سنوات، بطلها أحد أقرباء والده - يرحمه الله - وقد أسمى القصة به «الحكواتي».
وبحسب ما نقله أيمن تبرز «الحكواتي» دور المقاهي الشعبية في المدينة المنورة في التنمية الثقافية للمجتمع المديني، حيث كان البعض منها متنفسا ومتنزها لأهلها، وذلك في عام 1370هـ.
اقتصرت قصة «الحكواتي» الذي كان حينها في مقهى «عبدالواحد» بالمناخة بجانب العين الكبرى، شرق مسجد سيّدنا أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -
ويذكر العم ناجي - يرحمه الله - نماذج من القصص التي كان يسردها «الحكواتي» على الزبائن في كل ليلة بينها: سيرة الأميرة ذات الهمة وولدها عبدالوهاب، سيرة عنترة بن شداد، سيرة الملك سيف بن ذي يزن وغيرها.
وهكذا يمضي السرد، كلما انتهت قصة يأتي «الحكواتي» بقصة أخرى، حيث خط الأنصاريّ ثلاثين صفحة، ووصف المقهى وصفا دقيقا، ووصف جنباته والزبائن وطلباتهم وبعض ما يدور بينهم من أحاديث.
إلا أن تدهور حالته الصحية لم يسمح له بإكمال ما شرع فيه، حيث وافته المنية في التاسع عشر من شهر محرم في العام 1437هـ.
رحم الله أديبنا الأنصاري، وقد حفرت ذكراه ما يستحق في الأعماق، وكان لا بد من كلمة.
لا أدعي المجايلة، ولا التتلمذ على أولئك الرعيل، وإن كان ذلك مما يطول به عنق المرء - كما يقال - ولكنني أكاد أجزم أنني وفقت كثيرا في تناول تجربتهم الأدبية صحفيا، ومتابعة أعمالهم في العقدين الأخيرين.
وفي الوقت الذي قام فيه عدد من أعضاء نادي المدينة المنورة الأدبي بزيارة لمنزل العم ناجي الأنصاري قبل رحيله بأيام، يطمئنون على ظروفه الصحية، كنت أتأمل في شخصية هذا العلم، المربي الفاضل، أفتش في ملامحه، ومكتبته العامرة عن قصة جديدة أنشرها.
قدرنا كصحفيين أن يكون الحزن، في بعض الأحيان، نافذتنا، بوصلتنا أن نخرج بعنوان حتى وإن بللته الدموع، وعادة ما تتحول مواقف الوداع لدينا إلى مسارح للضوء نلج بها عوالم من نحب، وحتى من نختلف معه، لأن أنثى الصحافة لا تحكمها المشاعر أو تقبل شريكا بقدر ما يتمسك بها أرباب المهنة بمهنية يعدّونها عروتهم التي لا تنفصم.
حضرت عزاء العم ناجي في منزله الجديد العامر بأنفاسه اليوم، وقد اختار أن يبنيه على ضفاف وادي العقيق، بين تلك العرصات، التي وسم فيها أجمل ذكرياته وما تركه الرفاق.
ترك العم ناجي هناك لطلاب المعرفة ومحبي الثقافة، كما علمت من ابنه أيمن - حفظه الله - مكتبة عامرة تتجاوز عناوينها خمسة آلاف عنوان، يتجهون إلى فهرستها وفتح أبوابها، وكم أتمنى أن يكون للنادي اليد الطولى في ذلك.
كنت أعزي أيمن وفضول الصحافة يجلدني كعادته، ليسبقني إلى معرفة آخر ما خطته أنامله، وهو الذي لم ينقطع يوما عن علاقته بالنادي والمثقفين، حتى في أشدّ لحظات مرضه.
ولم يهدأ لي بال حتى خرجت وبيدي قصاصة من مخطوطة «الحكواتي» التي لم يكملها العم ناجي، حيث كان القدر أسرع إليه، ليتركنا مع ما يقارب ثلاثين صفحة منها شرع الأنصاريّ بكتابتها خلال شهر شوال من عام 1436هـ وهي قصة عاشها وهو ابن عشر سنوات، بطلها أحد أقرباء والده - يرحمه الله - وقد أسمى القصة به «الحكواتي».
وبحسب ما نقله أيمن تبرز «الحكواتي» دور المقاهي الشعبية في المدينة المنورة في التنمية الثقافية للمجتمع المديني، حيث كان البعض منها متنفسا ومتنزها لأهلها، وذلك في عام 1370هـ.
اقتصرت قصة «الحكواتي» الذي كان حينها في مقهى «عبدالواحد» بالمناخة بجانب العين الكبرى، شرق مسجد سيّدنا أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -
ويذكر العم ناجي - يرحمه الله - نماذج من القصص التي كان يسردها «الحكواتي» على الزبائن في كل ليلة بينها: سيرة الأميرة ذات الهمة وولدها عبدالوهاب، سيرة عنترة بن شداد، سيرة الملك سيف بن ذي يزن وغيرها.
وهكذا يمضي السرد، كلما انتهت قصة يأتي «الحكواتي» بقصة أخرى، حيث خط الأنصاريّ ثلاثين صفحة، ووصف المقهى وصفا دقيقا، ووصف جنباته والزبائن وطلباتهم وبعض ما يدور بينهم من أحاديث.
إلا أن تدهور حالته الصحية لم يسمح له بإكمال ما شرع فيه، حيث وافته المنية في التاسع عشر من شهر محرم في العام 1437هـ.
رحم الله أديبنا الأنصاري، وقد حفرت ذكراه ما يستحق في الأعماق، وكان لا بد من كلمة.