أين حدودنا في حقوقنا؟

الثلاثاء - 02 فبراير 2016

Tue - 02 Feb 2016

ما حدث من خلاف بين أعضاء المجلس البلدي لمدينة جدة حول وكيف يكون اللقاء بينهم وعلى أي صفة يجتمع الأعضاء المنتخبون والمعينون، وتعطيل العمل حتى هذه اللحظة، وعدم الاتفاق على وضع الجلوس في مكاتبهم قبل أن يعملوا لمصلحة الناس الذين صوتوا لهم، ووثقوا بقدراتهم وأملوا فيهم خيرا لحل عويص المشاكل للمدينة التي نالها من تراكم الأخطاء وسوء التدبير الشيء الكثير، وأصبحت في أغلب قضاياها موضع جدل كبير من كل النواحي، مشاريعها أمطارها وسيولها وأوديتها وحتى سكانها والمسؤولون فيها.

كل ما في هذه المدينة الجميلة والثغر الباسم للمملكة أصبح موضع جدل ومثار حديث بعضه عابر وبعضه مقيم، عجزت كل الحلول عن تحريكه من وهدته التي هو فيها، كان أحد الحلول وآخرها لمشكلات جدة وقضاياها المزمنة معلقا في أعناق مجلسها البلدي المنتخب والمعين، وقد ألقى أهلها آخر كنائنهم في أعناق هذا المجلس حين اختاروه وصوتوا له، لكن يبدو أن حظ المدينة عاثر حتى فيمن يختاره أهلها بمحض إرادتهم ومن يعلقون عليه إصلاح مدينتهم وتطويرها، فمن لا يستطيع أن يحل مشكلة جلوس أعضائه على طاولة واحدة، لن يكون قادرا على حل عويص المشاكل وغامضها.

لكن ليس المهم هنا موقف الأعضاء واختلافهم قبل أن يبدأ عملهم على هيئة الجلوس وشكله، وهل المرأة إنسان كامل الأهلية أم هي شيء آخر، الأمر متعلق بحقوق المواطنة وغموض معناها لدى قطاع كثير من المجتمع، حتى بعض من ينتخب ويختار مثل مجلس جدة الموقر الذي نسي المعترضون من أعضائه المساواة في حقوق المواطنة قبل آلية العمل، وغياب حق المواطنة لديهم جعلهم يميزون بين المواطنين رجالا ونساء، وهو ما دفعهم للاعتراض والتجاوز غير المقبول، فالناس في طبيعتهم الاختلاف ومن أخلاقهم التنازع مهما كان مسوغ التنازع ومهما كان مضمونه لكن ليس بالحقوق.

الأمر عندي أكبر من هذه القضية برمتها، وأخطر منها بكثير، وقد تكلمت عنه وكتبت فيه مرارا وتكرارا، وهو أننا ما زلنا بعيدين عن مفهوم المواطنة وحقوقها، وبعيدين عن القانون الذي يحدد المسؤوليات، ويعطي كل ذي حق حقه، ويعرف الإنسان ما له وما عليه في أي مكان يوضع به.

فهذا الذي حدث لمجلس مدينة جدة البلدي مثال واضح على أن أي إنسان برغبته الشخصية وبفرديته وأنانيته وبكل وساوسه ونوازع نفسه ورؤيته الخاصة يستطيع أن يعطل ما شاء من قضايا الناس، ويوقف مصالحهم ويتدخل في شؤونهم، حتى كيف يجلسون وكيف يعملون وكيف يتكلمون، دون أن يعرف - هو نفسه أو المتضرر من تدخله - أين حده الذي يجب أن يقف عنده، وأين حق الآخر الذي يختلف معه وأين يحتكمون فيما اختلفوا فيه لأن التشريع غائب.

هذه الحال لا يلام عليها بعض من غلفت أدمغتهم بوساوس الشيطان وعاشوا خارج الزمن فليست هذه مسؤوليتهم وليس هذا هو موضوعهم، الموضوع أبعد وأكبر من ذلك، وهو مسؤولية عليا، ذلك أننا بحاجة أن نجسد نظام الدولة المدنية، وأن نضع الضوابط والنظم، ونعرف الأشياء بأسمائها، فيعرف الناس ما لهم وما عليهم طبقا لنصوص القانون الذي يطبق على الجميع، ويحتكم إليه الخاصة والعامة، وأن ننتقل من التعامل بالعرف والمفهوم السائد والعادات المعتبرة والترضيات التي لم تعد قادرة على تسيير دفة الحياة، لأننا لم نعد ذلك المجتمع البسيط الذي كنا نتعامل معه في الماضي، ولكننا أصبحنا مجتمعا مركبا كثير التعقيد متعدد الاتجاهات، لا يمكن أن تسهل إدارته في أساليب الماضي وطرقه وآلياته العتيدة.

نحن بأمس الحاجة إلى تشريعات ترسخ مفهوم الدولة المدنية والمجتمع المدني ليكون الحكم فيه وعليه وله وأن يحتكم إلى مدونات شديدة الوضوح، يعود إليها الجميع عند الخلاف، وتنشر نصوصها وتعمم أحكامها، وإذا تركنا الحبل على الغارب سنجد من يعطل سيرنا بآرائه ومواقفه، مهما كانت بعيدة عن الواقع، وغير مقبولة من المجتمع.

[email protected]