أيتام الحروب.. ضحايا الإنسانية

صراخ الأطفال الذي يتسربل في مشارب وعروق معسكرات ومخيمات اللجوء من حروب العالم العديدة، هو ما يحرّك ضمير الإنسانية لاستقطاب الدعم المادي لإيلاء هؤلاء الأطفال بعض الاهتمام، ولكن ماذا يجدي هذا العون وإن كان يسعى مدرارا إذا كانت آلة الحرب ما زالت تحصد الأنفس وتزيد الأيتام أعدادا إضافية صبيحة كل يوم جديد؟ وإذا تم تسليط الأضواء على شحّ الإعانات، إمّا بسبب نضوبها في مؤسساتها الدولية أو لتعذّر وصولها إلى المخيمات والمعسكرات بسبب مخاطر إيصالها، أو بسبب تعنت الأطراف المتحاربة وعرقلتها، فإنّ المعاناة متفاقمة لا محالة.

صراخ الأطفال الذي يتسربل في مشارب وعروق معسكرات ومخيمات اللجوء من حروب العالم العديدة، هو ما يحرّك ضمير الإنسانية لاستقطاب الدعم المادي لإيلاء هؤلاء الأطفال بعض الاهتمام، ولكن ماذا يجدي هذا العون وإن كان يسعى مدرارا إذا كانت آلة الحرب ما زالت تحصد الأنفس وتزيد الأيتام أعدادا إضافية صبيحة كل يوم جديد؟ وإذا تم تسليط الأضواء على شحّ الإعانات، إمّا بسبب نضوبها في مؤسساتها الدولية أو لتعذّر وصولها إلى المخيمات والمعسكرات بسبب مخاطر إيصالها، أو بسبب تعنت الأطراف المتحاربة وعرقلتها، فإنّ المعاناة متفاقمة لا محالة.

السبت - 10 يناير 2015

Sat - 10 Jan 2015



صراخ الأطفال الذي يتسربل في مشارب وعروق معسكرات ومخيمات اللجوء من حروب العالم العديدة، هو ما يحرّك ضمير الإنسانية لاستقطاب الدعم المادي لإيلاء هؤلاء الأطفال بعض الاهتمام، ولكن ماذا يجدي هذا العون وإن كان يسعى مدرارا إذا كانت آلة الحرب ما زالت تحصد الأنفس وتزيد الأيتام أعدادا إضافية صبيحة كل يوم جديد؟ وإذا تم تسليط الأضواء على شحّ الإعانات، إمّا بسبب نضوبها في مؤسساتها الدولية أو لتعذّر وصولها إلى المخيمات والمعسكرات بسبب مخاطر إيصالها، أو بسبب تعنت الأطراف المتحاربة وعرقلتها، فإنّ المعاناة متفاقمة لا محالة.

جاء السادس من يناير، اليوم العالمي لأيتام الحروب، وفي هذا العام لم تخذله أعداد يتامى الحروب المتصاعدة في تزايد مستمر. وفي أنحاء متفرقة من العالم يشكّل الأطفال يتامى الحروب الضحايا الأكثر معاناة، وقد تسيّدت صورة يتامى حروب الوطن العربي منذ سنوات وإلى الآن الصدارة بلا منازع. فهنا معاناة أطفال غزة، وهناك أطفال سوريا، كما أطفال العراق ومن أدخلهم ظلم تنظيم داعش في دوامة السبي وإزهاق براءتهم وكأنّ الحرب وحدها والتي يعيشون تحت قصف مدافعها ليل نهار ليست بكافية، كما هناك الأطفال ضحايا الحرب في دارفور وجبال النوبة بالسودان، وضحايا الصراعات الأهلية في الصومال.

إنّ أول الآثار التي تقع على هؤلاء الأطفال هي بفقدانهم ذويهم، ثم تشردهم ثم وقوعهم ضحايا للاستغلال والابتزاز نتيجة انعدام الأمن والاستقرار. فإن نجا هؤلاء من جوع وعطش فلن ينجوا من تشرد وعدم إحساس بالأمان. وكل هذا يحدث لهم بدون ذنب جنوه، يتجرعون كأس مرارات الحروب وأصنافا من ألوان الشقاء والعذاب، وهم الشهود عليها وعلى رعبها بصور تُحفر في ذاكرتهم، ولن يستطيعوا نسيانها مدى أعمارهم، خاصة وهم يشاهدونها صورا حية تمثل بشاعة القتل بأقسى صوره، والأقسى على الإطلاق لو طال الموت عزيزا أو قريبا للأطفال أمام أعينهم.

وما نشاهده من صور الأطفال ضحايا الحروب المتوشحين بيتمهم، هو صورة المأساة عندما لا تجد غير الأطفال ضحايا، تقتنص براءتهم وتصادر ضحكتهم، وتبدلهم من زهور غضّة إلى أشباح منكوبة، يحملون سيماء الشيوخ من فرط الهموم واليأس وكأنّها جبال. لو قُدّر لتوماس كنينجتون أن يعود ويرسم مثلما رسم وأبدع في صورة اليتيم الشهيرة، لما وجد أبلغ من صور هؤلاء الأطفال مثالا للبؤس والمعاناة.

لا شكّ أنّ الحروب هي جرائم تُرتكب في حق الإنسانية بمبررات عديدة وفي حالة من عدم الحكمة والوعي. وتتجاوز آثار الحروب ما يلحق بالبيئة وتدمير البنية التحتية، إلى أكثر نتائجها مأساوية تلك التي تلحق بنفوس الصغار وترافقهم طيلة سني حياتهم، فتزداد بشاعتها عندما يتأذى منها الأطفال الأبرياء.

وقد يكون الحديث عن الصدمات النفسية التي تتركها الحروب لدى الأطفال في مراحل الإعانة الأولى بمثل أهمية حصولهم على الطعام والمأوى والدفء. وقد صنّف علماء النفس بصفة خاصة الصدمة النفسية التي تتركها الحروب لدى الأطفال في باب الآثار المدمرة، وهي مما جعل الخبراء المختصين يقومون بالدراسات المستفيضة وتحليلها للوصول إلى نتائج تساعد على بذل كل الجهود، والعمل على مراعاة الأطفال في زمن الحروب وإيوائهم وتأهيلهم وإبعادهم قدر الإمكان عن الآثار النفسية والمعنوية التي يمكن أن تلحق بهم.

وإذا كانت الحرب تترك بصماتها السيئة على الكبار الذين تجبرهم الظروف على تحمل الصدمات مع ألمها ومعاناتها، فإنّ الأطفال لا يستطيعون تحمّل ما يصاحب الحروب من أهوال ونكبات وصدمات، ناهيك عن تحملهم لفقدان ذويهم بفعل الحرب نفسها، وهي صدمات كفيلة بزعزعة نفس الطفل وأمنه مدى الحياة. وفي غمرة الانشغال والمزايدات بين دعاة الحرب والسلام، قد لا يدرك المجتمع هذا الأثر في وقته، ولكن بمرور الزمن تتفاقم هذه الآثار على الأطفال وتتحول المشاهد المرعبة والمفزعة التي تابعوها في غمرة الحرب إلى آفة نفسية تحتاج لمزيد من الدعم النفسي والمعنوي حتى يتم البرء منها.