لماذا لا تستجيب أسعار الغذاء للسوق العالمية؟

الاثنين - 25 يناير 2016

Mon - 25 Jan 2016

منذ ما يقارب خمس سنوات ونيف بدأت أسعار الغذاء العالمية تسجل تراجعات متواصلة، ففي سبتمبر 2014 بلغت الأسعار أدنى مستوياتها منذ أغسطس 2010، وفي نهاية العام الماضي قالت منظمة الأغذية العالمية «الفاو» إن الأسعار تراجعت خلال العام الماضي وحده بنحو 19%، ويعني ذلك بلغة الأرقام أن ما كنت تشتريه في بداية العام الماضي بنحو 1000 دولار، أصبح ثمنه الآن نحو 800 دولار أو يزيد قليلا.

ووفقا لذلك يقول المنطق الاقتصادي والتجاري إن الأسعار يجب أن تتراجع في أسواق المملكة بذات القيمة أو أقل بقليل إذا أضفنا تكاليف الشحن والتأمين وما يلحق بهما، لأننا نستورد غذاءنا وسلعنا الأولية من الأسواق العالمية، فما دامت الأسعار تراجعت في البورصة العالمية التي ترتبط مباشرة بأسعار المصدر، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على أسعار الغذاء محليا، لكن تقرير هيئة الإحصاءات العالمية يقول غير ذلك، فأسعار الغذاء في المملكة واصلت ارتفاعها خلال العام الماضي بنحو 1.8%، مواصلة استمرارها في عدم تجاوبها مع التراجعات العالمية في الأسعار.

صراحة، لا يمكن تفسير ذلك وفقا للنظريات الاقتصادية والتجارية، فالمتعارف عليه أن اقتصادنا جزء من الاقتصاد العالمي، ويرتبط به، ويتأثر بما يحدث فيه من تقلبات وتذبذبات وتراجعات في الأسعار، إلا في أسعار السلع الغذائية، فهو عصي عليها في ذلك، فما ارتفع من أسعارها لدينا لا يعود للانخفاض بغض النظر عما يحدث في أسعار هذه المنتجات في الدول المصدرة والمنتجة.

جميع الوزارات المعنية بذلك (وزارة الاقتصاد والتخطيط، ووزارة التجارة والصناعة)، أو جمعية حماية المستهلك - التي نسمع بها ولا نراها – لا يمكن لها أن تبرر أو تفسر لنا ذلك، فعندما ترتفع أسعار المواد والسلع الغذائية عالميا يبادر التجار مباشرة إلى رفع الأسعار، ويبررون ذلك بارتفاعها عالميا ودخول منافسين جدد، ونمو دخل الفرد في دول كانت فقيرة، وضراوة المنافسة، بل يتم رفعها مباشرة على السلع الموجودة في مستودعاتهم داخل المملكة، أو السلع التي تم التعاقد عليها وشراؤها قبل موجة ارتفاع الأسعار.

وفي المقابل، عندما تنخفض الأسعار لا تستجيب ولا تتأثر أسواقنا بذلك، ويبرر التجار بقاء الأسعار مرتفعة بأنهم يحتاجون لوقت لتصريف المخزون الذي تم شراؤه بأسعار مرتفعة، وأنهم يحتاجون من أربعة إلى ستة أشهر لتصريفه، وفي كلتا الحالتين يظل الصمت هو حديث المسؤولين في تلك الوزارات، لكن فترة تصريف المخزون هذه المرة طالت أكثر مما يجب، فليس من المعقول أن يبقى تصريف المخزون خمس سنوات من سبتمبر 2010، دون أن يثير حفيظة الوزراء الصامتين.

وبالعودة إلى تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط في عام 2014 حول مسار أسعار الغذاء في المملكة، تزداد دهشة من غرابته، فالتقرير يقول إن مسار أسعار الغذاء في المملكة لم يعد يتبع الاتجاه في أسعار الغذاء العالمية سواء بالارتفاع أو الانخفاض منذ عام 2008، وأوضحت أنها تابعت بيانات الأسعار العالمية للغذاء وأسعار الغذاء المحلية منذ 1991، واتضح أن هناك علاقة وارتباطا قويا بينهما، إلا أن العلاقة بدأت في التذبذب والابتعاد بعد 2008 وهو العام الذي شهد ذروة ارتفاع الأسعار.

وإذا كانت أسعار الغذاء لم تعد تتبع اتجاه أسعار الغذاء العالمية سواء بالارتفاع أو الانخفاض، ولا تتجاوب معها، فهل لها أن تبرر لنا لماذا لا تتبع أو ترتبط بالأسعار العالمية أو من تتبع في مسارها؟ هل نحن من ينتج هذه المواد الغذائية؟ بالطبع لا، معظم ما نتناوله من أغذية أو جلها نستورده من الهند وباكستان، ودول الاتحاد الأوروبي، وأمريكا ودول أخرى، وجميعها ترتبط بالاقتصاد العالمي وأسعار بورصة الغذاء العالمي، فليس من المعقول أن لا ترتبط أسعار السلع الغذائية لدينا بالأسعار العالمية، ومهما كانت المبررات التي يمكن أن تقدم فهي غير مقبولة، وغير منطقية.

كل ما يحدث في أسعار الغذاء محليا يوحي بأن هناك تكتلات وتحالفات تتحكم في تلك الأسعار، مما يجعلها لا تتجاوب مع أسعار الغذاء العالمية في الانخفاض فقط، وهذه التكتلات تحتاج إلى حلحلتها وتشتيتها، وقد يكون إنشاء الجمعيات التجارية التعاونية، وتسريع العمل بها، البداية الأولى لتفكيك هذه التكتلات والتحالفات.

[email protected]