حتى تصبح جائزة الملك فيصل عالمية

السبت - 23 يناير 2016

Sat - 23 Jan 2016

يُخَيَّل إليَّ أن جائزة الملك فيصل العالمية في فرْعَي «الأدب العربي» و»الدراسات الإسلامية»، اعتادت الرزانة، بل المبالغة في الرزانة، وكأنها لا تعني أحدًا إلا من ظفروا بها، وإلا القائمين على شؤونها. والحقّ أن الجائزة، منذ أنشئت، مُنِحت لأسماء ذات شأن في هذين الفرعين، لكنها لم تكن لتعني إلا الباحثين المتوجين بها، ولا نكاد نظهر من أمر الجائزة إلا على أخبار اعتدنا أن نقرأها في الصحف، قبيل اجتماع لجان الجائزة، فالإعلان عن الأسماء المتوجة بها، ثم الحفل الكبير الذي تُسَلَّم فيه جوائزها في مختلف فروعها.

وأنا أفهم أن جوائز الطب والعلوم وخدمة الإسلام لا تبعث كثيرًا على الترقب والتوقع والانتظار، فهي جوائز علمية خالصة، لكنني لا أفهم سببًا للمظهر الرتيب الذي يظهر بهما فرعا «الأدب العربي» و»الدراسات الإسلامية»، وهما فرعان يتصلان بروح الفكر والثقافة، ويمسَّان ما تضطرب فيه حياة الناس من أفكار، وما تتقلب فيه تيارات الأدب والفلسفة والتاريخ من قضايا، لا تعرف إلا الحركة وإلا القوة وإلا الاختلاف.

ولك أن تقارن جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي بجائزة نوبل في الآداب، وانظر ماذا ترى؟ إنك لا شك تظهر على مقدار ما تبعثه نوبل في آداب العالم كلها، وتستطيع أن تقرأ في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي أحاديث الأدباء والمثقفين في محطات التلفزة والإذاعة، والأندية، ترقبهم، وتوقعهم، وتستطيع أن تعرف طرفًا من إبداع هذا الأديب أو ذاك، والمَنازع التي أخذ بها هذا الروائي أو ذاك، حتى إذا دنت ساعة الإعلان عن منح الجائزة، تحولت أبصار الأدباء والمثقفين في العالم كله إلى حيث الأكاديمية السويدية، وما إن يكشف عن اسم الأديب حسن الحظ، حتى تبث وكالات الإعلام ومحطات التلفزة والصحف والإذاعات أحاديث طويلة ماتعة عن الجائزة والأديب، وحتى نقرأ طرفًا من اختلاف النقاد والأدباء حول الأديب والجائزة نفسها، وتتباين مذاهب القوم وتختلف منازعهم، يمنة ويسرة، وتزداد نوبل سنة بعد سنة ظهورا لا يشبهه ظهور، وتمكُّنًا من قلوب الأدباء والقراء، ويقوى نفوذها الأدبي حين تتاح أعمال أدبائها الظافرين بها في كل اللغات، فيفوز القراء وعشاق الأدب بمنحة روحية من منح هذه الجائزة العظيمة.

لا نظهر على شيء من ذلك في جائزة الملك فيصل العالمية، في فرعي الأدب العربي والدراسات الإسلامية، وهما الفرعان اللذان يشبهان جائزة نوبل العالمية في الآداب.

فجائزة الملك فيصل العالمية جائزة «محافظة» لم تبعث في تاريخها جدلًا ولم تثر نقعًا، ولم يختلف حولها أحد، وهي، إلى ذلك، جائزة لا تكاد تعني إلا الباحثين الممنوحة لهم، وأحسب أنها لا تعني إلا فئة جدّ محدودة من القراء والمهتمين، وهي أشبه ما تكون بحفل زفاف مختصر ومقتصر محدود بحدود الأهل والأقارب، وفيه يظفر العروس «الباحث» بعروسه «الجائزة»، ثم يؤوب إلى بلده، سالمًا غانمًا، وفي يده مبلغ نقدي كبير، يثريه هو وحده، لكن القراء لا يكادون يظهرون على شيء من آثار هذا الباحث الذي منح جائزة «عالمية»، فلا أثر لإنتاجه الأدبي أو الفكري في المكتبات، بل إن بعضًا من آثار هذا الباحث أو ذاك نفدت نسخها منذ عقود! ثم إن القارئ لا يعرف معنى «العالمية»، وهي جائزة محدودة بحدود الجغرافيا العربية، وتَعْبُر، أحيانًا، الحدود العربية إلى الجغرافيا الإسلامية، في فرع الدراسات الإسلامية.

والذي أعتقده أن على جائزة الملك فيصل العالمية في فرعي الأدب العربي والدراسات الإسلامية، خاصةً، أن تحرر نفسها من الرتابة والمحافظة، وأن يعرف القائمون عليها أنها جائزة تتصل بالأفكار والتيارات، وأحسب أنهم لو أطلوا على جوائز أدبية في الجوار القريب منهم، لعرفوا المقدار الذي أصابته جوائز أدبية عربية حديثة العهد من أثر جدّ كبير في حياتنا الثقافية، وفي حركة القراءة والنشر، ولعلهم قد قرؤوا في الصحف، وشاهدوا في محطات التلفزة ومعارض الكتب كيف سوَّقت دور النشر لتلك الجوائز، وللأدباء الظافرين بها، ولحركة القراءة والكتاب.

أظنّ الوقت قد حان لتتحرر جائزة الملك فيصل «العالمية» في فرعي الأدب العربي والدراسات الإسلامية من كل ما يثقل حركتها وتطورها، وأحسب أنه حان أوان أن يصبح للأدب جائزتان: الأولى للدراسات الأدبية، والأخرى للإبداع، كما أنه لا وجه اليوم لأن نقصر فرع «الدراسات الإسلامية»، في التاريخ والجغرافيا والفلسفة والعلوم الاجتماعية، على الباحثين المسلمين وحدهم، فلن يتجدد شباب هذه الجائزة إلا بجائزة تمنح للمبدعين والباحثين في العالَم كله، وعند ذاك ستتحول أنظار مثقفي العالم العربي – وربما العالم كله – إلى لجان الجائزة في الرياض، ترقُّبًا للكشف عن اسم الأديب أو الباحث «العالمي» الذي ظفر، بحق، بجائزة «عالمية»!