تقرير القوة الناعمة 2019 وفرصنا للمستقبل
السبت - 02 نوفمبر 2019
Sat - 02 Nov 2019
صدر خلال اليومين الماضيين رسميا، التقرير السنوي العالمي المنتظر للقوة الناعمة لعام 2019. وكالعادة حمل التقرير معلومات قيمة وثرية تستحق الاطلاع والقراءة والتحليل.
بداية هذا التقرير سنوي تقوم به شركة بورتلاند الشهيرة المختصة بالتواصل والسياسة والعلاقات العامة، بالتعاون مع مركز جامعة جنوب كاليفورنيا للدبلوماسية العامة، إضافة لشركة فيس بوك وجهات أخرى عدة، وبدأت إصداره بشكل سنوي منذ عام 2015.
وهو يعتمد في نتائجه على بيانات موضوعية واستبيان دولي. البيانات الموضوعية قسمت إلى 6 فئات: الحكومة، الثقافة، المشاركة العالمية، التعليم، العالم الرقمي، النموذج الاقتصادي. أما الاستبيان الدولي فيجري في دول مختلفة على فئات مجتمعية مختلفة وعن مواضيع متعددة، حتى يحصل القائمون على التقرير في نهاية المطاف على نتيجة علمية رصينة قدر الإمكان.
في هذا العام 2019 أصبح العالم أكثر تعقيدا، وزادت تحديات ومخاطر السياسة الخارجية، مما جعل الدول أكثر حرصا على تحديد «مصادر قوتها الناعمة» والاستعانة بالخبراء والمختصين بها لتفعيلها وحماية مصالحها الوطنية عبرها، لذا وبهدف الحصول على معلومات دقيقة ورؤى أكثر وضوحا، تم تكثيف العمل مع الخبراء والمختصين بمجالات القوة الناعمة والدبلوماسية العامة من القطاعين العام والخاص والقطاع الثالث، وعلى رأسهم عراب مفهوم القوة الناعمة الأمريكي جوزيف ناي.
في البداية أشار الباحثون إلى أنهم يرون أن الأعوام الماضية أوضح في التنبؤ بوضع القوة الناعمة، لكن خلال السنوات الأخيرة أصبح العالم أكثر تعقيدا في المسرح الدولي. التحالفات التقليدية أصبحت هشة، والتوجهات السياسية الوطنية ترتفع «مصلحتنا أولا»، والقوة الناعمة أعطت الدول الصغيرة - التي لا تملك قوة صلبة - قدرة على التأثير وجذب الآخرين والتأثير بالمشهد السياسي الدولي.
تم استخدم البيانات نفسها بتقسيمها إلى 6 فئات ذكرناها بالتقارير السابقة، أما الاستبيان الدولي فقد أجري في 25 دولة، وارتفع عدد المشاركين إلى أكثر من 12 ألف شخص من مختلف الدول يمثلون كل الأعمار والاختلافات، وتمت إضافة دول عدة نظرا لـ «أهميتها الدولية» و»عضويتها بمجموعة الـ 20، بينها السعودية التي تشارك بالتقرير للمرة الأولى، ممثلة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
جرى سؤال المشاركين بالاستبيان الدولي حول أسئلة متنوعة عن دول مختلفة لتقييم القوة الناعمة لها وتأثيرها ووصولها، مثل: الدول التي يفضلونها، الطبخ وفنون الطهي، المنتجات التقنية، السلع الفاخرة، السياسية الخارجية، الرغبة بزيارة الدولة أو العيش بها، المساهمة بالثقافة العالمية.
صدرت النتيجة رسميا، وكانت الصدارة لفرنسا، وبريطانيا تراجعت للمركز الثاني، وألمانيا تقدمت للثالث، والسويد دخلت للمرة الأولى قائمة الخمس الأوائل وتحتل المركز الرابع، وتراجعت الولايات المتحدة للمركز الخامس، واليابان لا زالت ممثل آسيا الوحيد بقائمة أفضل 10، ولم تدخل دولة جديدة بالقائمة هذا العام.
قُدمت شرائح مستقلة للدول المتقدمة بتقرير هذا العام للقوة الناعمة، وتوضح معلومات عدة سبب تفوقها، مثلا: فرنسا (الأول): عدد المواقع المسجلة باليونسكو، عدد السياح، العضويات بالمنظمات الدولية، وغيرها. بريطانيا (الثاني): الشبكة الدبلوماسية، تقدم الجامعات، مواقع اليونسكو، وغيرها.
كما اتضحت نظرة أكثر قربا لترتيب الدول وكفاءتها وقوتها في كل مجال من مجالات القياس المعتمدة والمؤثرة بناء على المعطيات والاستبيان والوضع الحالي، مثل أفضل الدول حكوميا، وثقافيا وتعليميا ورقميا، وكذلك أفضلها بالمشاركة الدولية والنموذج الاقتصادي. كما قورن - عبر الرسم البياني - أداء الدول في المراكز الـ 30 الأولى بين عامي 2016 و2019، وتكمن أهميته في تقديم نظرة شاملة لصناع القرار وصناع سياسات القوة الناعمة تقيس أداء تلك الدول بشكل واضح ومبسط للعمل مستقبلا.
وكما في العام السابق، كانت النظرة هذا العام لدول آسيا على أنها دول واعدة بالقوة الناعمة، وذات أثر جعل لها قسما وترتيبا خاصا لا زالت اليابان تتربع على صدارته، وبقي الترتيب نفسه دون تغيير لباقي الدول بمواقعها للعام الماضي 2018.
هناك أمر مميز هذا العام، وهو الاعتماد على مصادر ومنظمات عالمية مثل (الأمم المتحدة وأذرعها، والبنك الدولي، والأبحاث الرصينة وغيرها)، إضافة للاستبيان الدولي، وذلك يقدم فرصة للدول التي تريد تعزيز قوتها الناعمة بأن تعزز حضورها بتلك المصادر لتحرز التقدم مستقبلا. ومن المتوقع أن يكون للأحداث المستقبلية خلال العام الحالي والعام القادم أثر كبير بتقرير العام المقبل، وأبرزها: قضية بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، النزاع التجاري الأمريكي الصيني، وغيرها.
أهمية المملكة
على المسرح الدولي، وعضويتها بمجموعة العشرين، وجعل عينتها تمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التقرير، هي مؤشر على أن المملكة تملك فرصا لا محدودة لتكون قوتها الناعمة داخل السباق العالمي مستقبلا، الأمر الذي سينعكس على زيادة الاستثمارات وخلق الوظائف ونشر ثقافتها وزيادة أعداد السياح القادمين لها، وغيرها من المكتسبات التي ستسهم في نهاية المطاف بتحقيق رؤية 2030 ونمو الناتج المحلي الإجمالي وقوة التأثير إقليميا ودوليا.
أخيرا، أعاود التأكيد على ما اقترحته سابقا بأن «إنشاء مجلس القوة الناعمة» أصبح ضرورة لا غنى عنها، لأن المملكة العربية السعودية قادرة وتملك كل الإمكانات لتكون في ريادة دول العالم بالقوة الناعمة، عبر توحيد جهود المؤسسات، وخلق أذرع جديدة، والعمل مع الخبراء، ووضع استراتيجية مستدامة لتأخذ موقعها الطبيعي بالترتيب مستقبلا بإذن الله.
@FAlHowail_
بداية هذا التقرير سنوي تقوم به شركة بورتلاند الشهيرة المختصة بالتواصل والسياسة والعلاقات العامة، بالتعاون مع مركز جامعة جنوب كاليفورنيا للدبلوماسية العامة، إضافة لشركة فيس بوك وجهات أخرى عدة، وبدأت إصداره بشكل سنوي منذ عام 2015.
وهو يعتمد في نتائجه على بيانات موضوعية واستبيان دولي. البيانات الموضوعية قسمت إلى 6 فئات: الحكومة، الثقافة، المشاركة العالمية، التعليم، العالم الرقمي، النموذج الاقتصادي. أما الاستبيان الدولي فيجري في دول مختلفة على فئات مجتمعية مختلفة وعن مواضيع متعددة، حتى يحصل القائمون على التقرير في نهاية المطاف على نتيجة علمية رصينة قدر الإمكان.
في هذا العام 2019 أصبح العالم أكثر تعقيدا، وزادت تحديات ومخاطر السياسة الخارجية، مما جعل الدول أكثر حرصا على تحديد «مصادر قوتها الناعمة» والاستعانة بالخبراء والمختصين بها لتفعيلها وحماية مصالحها الوطنية عبرها، لذا وبهدف الحصول على معلومات دقيقة ورؤى أكثر وضوحا، تم تكثيف العمل مع الخبراء والمختصين بمجالات القوة الناعمة والدبلوماسية العامة من القطاعين العام والخاص والقطاع الثالث، وعلى رأسهم عراب مفهوم القوة الناعمة الأمريكي جوزيف ناي.
في البداية أشار الباحثون إلى أنهم يرون أن الأعوام الماضية أوضح في التنبؤ بوضع القوة الناعمة، لكن خلال السنوات الأخيرة أصبح العالم أكثر تعقيدا في المسرح الدولي. التحالفات التقليدية أصبحت هشة، والتوجهات السياسية الوطنية ترتفع «مصلحتنا أولا»، والقوة الناعمة أعطت الدول الصغيرة - التي لا تملك قوة صلبة - قدرة على التأثير وجذب الآخرين والتأثير بالمشهد السياسي الدولي.
تم استخدم البيانات نفسها بتقسيمها إلى 6 فئات ذكرناها بالتقارير السابقة، أما الاستبيان الدولي فقد أجري في 25 دولة، وارتفع عدد المشاركين إلى أكثر من 12 ألف شخص من مختلف الدول يمثلون كل الأعمار والاختلافات، وتمت إضافة دول عدة نظرا لـ «أهميتها الدولية» و»عضويتها بمجموعة الـ 20، بينها السعودية التي تشارك بالتقرير للمرة الأولى، ممثلة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
جرى سؤال المشاركين بالاستبيان الدولي حول أسئلة متنوعة عن دول مختلفة لتقييم القوة الناعمة لها وتأثيرها ووصولها، مثل: الدول التي يفضلونها، الطبخ وفنون الطهي، المنتجات التقنية، السلع الفاخرة، السياسية الخارجية، الرغبة بزيارة الدولة أو العيش بها، المساهمة بالثقافة العالمية.
صدرت النتيجة رسميا، وكانت الصدارة لفرنسا، وبريطانيا تراجعت للمركز الثاني، وألمانيا تقدمت للثالث، والسويد دخلت للمرة الأولى قائمة الخمس الأوائل وتحتل المركز الرابع، وتراجعت الولايات المتحدة للمركز الخامس، واليابان لا زالت ممثل آسيا الوحيد بقائمة أفضل 10، ولم تدخل دولة جديدة بالقائمة هذا العام.
قُدمت شرائح مستقلة للدول المتقدمة بتقرير هذا العام للقوة الناعمة، وتوضح معلومات عدة سبب تفوقها، مثلا: فرنسا (الأول): عدد المواقع المسجلة باليونسكو، عدد السياح، العضويات بالمنظمات الدولية، وغيرها. بريطانيا (الثاني): الشبكة الدبلوماسية، تقدم الجامعات، مواقع اليونسكو، وغيرها.
كما اتضحت نظرة أكثر قربا لترتيب الدول وكفاءتها وقوتها في كل مجال من مجالات القياس المعتمدة والمؤثرة بناء على المعطيات والاستبيان والوضع الحالي، مثل أفضل الدول حكوميا، وثقافيا وتعليميا ورقميا، وكذلك أفضلها بالمشاركة الدولية والنموذج الاقتصادي. كما قورن - عبر الرسم البياني - أداء الدول في المراكز الـ 30 الأولى بين عامي 2016 و2019، وتكمن أهميته في تقديم نظرة شاملة لصناع القرار وصناع سياسات القوة الناعمة تقيس أداء تلك الدول بشكل واضح ومبسط للعمل مستقبلا.
وكما في العام السابق، كانت النظرة هذا العام لدول آسيا على أنها دول واعدة بالقوة الناعمة، وذات أثر جعل لها قسما وترتيبا خاصا لا زالت اليابان تتربع على صدارته، وبقي الترتيب نفسه دون تغيير لباقي الدول بمواقعها للعام الماضي 2018.
هناك أمر مميز هذا العام، وهو الاعتماد على مصادر ومنظمات عالمية مثل (الأمم المتحدة وأذرعها، والبنك الدولي، والأبحاث الرصينة وغيرها)، إضافة للاستبيان الدولي، وذلك يقدم فرصة للدول التي تريد تعزيز قوتها الناعمة بأن تعزز حضورها بتلك المصادر لتحرز التقدم مستقبلا. ومن المتوقع أن يكون للأحداث المستقبلية خلال العام الحالي والعام القادم أثر كبير بتقرير العام المقبل، وأبرزها: قضية بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، النزاع التجاري الأمريكي الصيني، وغيرها.
أهمية المملكة
على المسرح الدولي، وعضويتها بمجموعة العشرين، وجعل عينتها تمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التقرير، هي مؤشر على أن المملكة تملك فرصا لا محدودة لتكون قوتها الناعمة داخل السباق العالمي مستقبلا، الأمر الذي سينعكس على زيادة الاستثمارات وخلق الوظائف ونشر ثقافتها وزيادة أعداد السياح القادمين لها، وغيرها من المكتسبات التي ستسهم في نهاية المطاف بتحقيق رؤية 2030 ونمو الناتج المحلي الإجمالي وقوة التأثير إقليميا ودوليا.
أخيرا، أعاود التأكيد على ما اقترحته سابقا بأن «إنشاء مجلس القوة الناعمة» أصبح ضرورة لا غنى عنها، لأن المملكة العربية السعودية قادرة وتملك كل الإمكانات لتكون في ريادة دول العالم بالقوة الناعمة، عبر توحيد جهود المؤسسات، وخلق أذرع جديدة، والعمل مع الخبراء، ووضع استراتيجية مستدامة لتأخذ موقعها الطبيعي بالترتيب مستقبلا بإذن الله.
@FAlHowail_
