طارق جابر

التأمين وعمليات السمنة

الخميس - 03 أكتوبر 2019

Thu - 03 Oct 2019

المشهد الثاني: حكاية عبد المعين

عبدالمعين شاب سعودي في الأربعين من عمره، يعمل في إحدى الشركات الكبرى. يعاني عبدالمعين من سمنة مفرطة منذ فترة، وطبيعة عمله التي تضع عليه ضغطا نفسيا كبيرا وتتطلب سفره أكثر من مرة في الأسبوع لم تساعده في اتخاذ نمط حياة صحي يساعده على إنقاص وزنه.

يعاني من حموضة مزمنة وارتجاعا في المريء وأدوية المعدة لا تفارقه. أجرى فحصا طبيا ليكتشف أن ضغطه مرتفع وعنده بداية سكر، يحتاج إلى أن يتناول لهما بعض الأدوية. أخبره الطبيب أن الحل لجميع مشاكله يتطلب إنقاص الوزن، وبما أنه لم يحقق أي تقدم خلال كل هذه السنوات، وبما أن التأمين الآن يغطي عمليات جراحة إنقاص الوزن، عليه أن يفكر جديا في الأمر.

بما أن تأمين عبدالمعين من الفئة العالية، فلقد توجه إلى مستشفى كبير وقابل أحد الجراحين المعروفين، والذي أجرى له تقييما شاملا، وطلب منه عمل منظار للمعدة. أجري لعبدالمعين المنظار، والذي شخص وجود التهابات قوية في المريء وارتجاع مع وجود تغيرات (باريت) في المريء، ومرض أو تغيرات باريت هي تغير في النسيج الطلائي لأسفل المريء، واستبداله بنسيج مماثل لبطانة المعدة، نتيجة التهيج المستمر، وهي حالة إن أهملت قد تتطور إلى سرطان المريء.

جلس الجراح مع عبدالمعين وأخبره بأنه يوافق على أن كل مشاكله الصحية والحياتية سوف تتحسن مع إجراء عملية إنقاص الوزن، لكن في وضعه ومع وجود التهاب (باريت) فإن عملية التكميم تعتبر من المحرمات الجراحية، والخيار الأمثل لجميع مشاكله هو عملية تغيير المسار التقليدي التي سوف تضرب جميع العصافير بحجر واحدة.

لم يمانع عبدالمعين، وبدا مرتاحا جدا لشرح الجراح، وطلب منه الرفع لشركة التأمين لأخذ الموافقة.

شركة التأمين كان لها رأي آخر، فهي توافق فقط على عمليات التكميم، بغض النظر عن رأي الجراح أو حالة المريض. تكميم فقط للجميع دون إضاعة مزيد من الوقت في التفاصيل على مبدأ (الشيطان يكمن في التفاصيل)!

الجراح لم يعجبه هذا الكلام، وكتب خطابا مفصلا أشبه بأطروحة ماجستير صغيرة، يبين فيه أن التكميم لا يمكن عمله هنا، بل يعد خطأ طبيا، وأن عبدالمعين أكثر شخص في العالم يحتاج عملية إنقاص وزن، وأنها ستكون فقط عبر تغيير مسار تقليدي. جاء الرد سريعا جدا ومختصرا جدا: إما تكميم وإلا فلا، مع بالغ التقدير.

عبدالمعين لن يجري عملية تكميم، ولن يجد حلا لسمنته المفرطة وأمراض الضغط والسكر، ولا زال الارتجاع مستمرا.

هذه القصة الخيالية ليست خيالية تماما، وربما لو غيرنا الاسم من عبدالمعين إلى اسم آخر لأصبحت قصة واقعية تضع علامات استفهام حول حصر عمليات إنقاص الوزن في التأمين على التكميم فقط. شركات التأمين قبلت إضافة عمليات السمنة على مضض، ولم تضع مقاييس للجودة، وقبلت أن تتعامل مع أي مستشفى وأي جراح في عمليات السمنة، وكان المخرج لهم أن يحصروا العمليات فيما يعتقدون أنه أقل تعقيدا وأقل إشكالية!

بقي لنا أن نسمع قصة عبدالشكور لننهي بها النقاش في هذا الموضوع!

drtjteam@