فارس الهمزاني

أيرلندية في خميس مشيط!

الخميس - 29 أغسطس 2019

Thu - 29 Aug 2019

رغم كل ما كتب عن إدارة حملات العلاقات العامة الدولية وبرامج السمعة الطيبة وقصص النجاح التي كتبت في هذا الشأن، إلا أن التجارب والاتصالات الشخصية لها الأثر الكبير والبقاء الطويل في بناء حوار تفاعلي فعال بين الدول، بالرغم من تنوع واختلاف الثقافات والقيم والاهتمامات.

قبل أسابيع دخلتُ إحدى العيادات الطبية في دبلن برفقة ابني، وكنا في صالة الانتظار حتى جاءت الممرضة من أخر الممر وهي تبتسم وتنادي باسم ابني وكأنها تعرفنا منذ عقود! أمسكت بيده ثم قالت بالعربية: مرحبا! ثم دخلنا غرفة التحصينات، وقبل أن أبادرها بالسؤال المتوقع قالت «إيفا»: قبل أكثر من 30 عاما كنت أعمل ممرضة في مستشفى القوات المسلحة في خميس مشيط، وقضيتُ أجمل سنوات عمري بين شعب في غاية اللطافة والكرم والود.

تقول الممرضة «إيفا» إنها تحتفظ بصور عن تلك المرحلة وتتحدث بحب عن تلك الألوان التي ترسم على الجدران في البيوت القديمة وعن الملابس التقليدية، ولا تخفي شوقها للأكلات الشعبية وقبل وداعها قالت: أنتم شعب لطيف وكريم، ولكن الصورة التي تصل للخارج مختلفة!

قد يتكرر هذا المشهد مع أشخاص عملوا في مهن أخرى ودول مختلفة ولديهم الانطباع نفسه، ويبقى السؤال الذي ربما تكرر كثيرا منذ سنوات دون إجابة واضحة: كيف ينعكس ما هو في الداخل السعودي على الخارج؟

نريد الواقع كما هو لأننا ولله الحمد لسنا بحاجة إلى تلميع أو إعطاء صورة مغايرة، فالشعب السعودي التصقت به صفات طيبة تستحق الحضور خارجيا.

لقد مرت بلادنا الغالية في مرحلة تحول منذ إعلان رؤية 2030، وشهدت خلال السنوات الثلاث الماضية تغيرات جذرية لم نكن نتوقع سرعة تنفيذها بما يتعلق بالتطوير والإصلاح والتجديد، وذلك بوجود قائد التغيير الأمير محمد بن سلمان، ومعه انتهت حقبة كان الإعلام الغربي يتلذذ فيها بطرح الإساءة عندما لا يجدون مواد تمتلئ فيها صفحات الجرائد!

ومع كل التغيير والحراك الجميل والتنوع في مملكتنا العزيزة إلا أنه لا تصل - في الغالب - إلا الأشياء السلبية كحال أي مجتمع وتتعطل كل الرسائل الإيجابية دون أن تعبر الحدود السعودية!

أعتقد أن المسؤولية مشتركة بين مؤسسات الدولة في الداخل والخارج وبحاجة إلى تنسيق بينهما، ولكن الجزء الأكبر يقع على عاتق مؤسسات الخارج وقدرتها على توظيف ونشر كل ما هو إيجابي. فلدينا العمق العربي والإسلامي والقوة الاستثمارية العملاقة وموقع استراتيجي يربط ثلاث قارات، وهذا يعد أهم مصادر القوة الناعمة على المستوى العالم.

هنا يأتي دور العلاقات العامة الدولية أو ما تسمى بالدبلوماسية الشعبية التي يجزم الدكتور جان ميلسن أستاذ الدبلوماسية الدولية بأنها القوة الناعمة في العلاقات الدولية. فمن خلال الاتصال والتواصل مع الأفراد أصحاب النفوذ في مجتمع معين ولديهم تجارب جيدة عن بلادنا يمكن تمرير الرسائل المطلوبة للجمهور المستهدف عبر النخب في مختلف المجالات.

ماذا لو كان هناك لقاء سنوي يجمع كل من عمل في السعودية ويُعقد في عواصم بلدانهم؟ ويجري من خلال اللقاء تجديد العلاقات الطيبة وتذكر المواقف الجميلة وعرض الصور بذكرياتها والاطلاع على التغيير الحالي في بلادنا؟ أنا على يقين تام بأن هذه هي كرة الثلج الإيجابية التي تعزز صورة السعودية في الخارج من قبل أفراد عاشوا بيننا لسنوات.

faresalhammzani@