فارس الهمزاني

شغف الكتابة!

السبت - 03 أغسطس 2019

Sat - 03 Aug 2019

يأتي سحر الكتابة على قائمة أصعب مهمات كهنة فك السحر والمختصين في الرقية، كونها متأصلة في أعماق روح الإثارة وتتناغم مع العقل عبر مزيج من الرؤى والأفكار، وتلامس شغاف القلب وتصيب الأصابع بتنمل عندما لا تمارس جنونها!

أعود للكتابة بعد انقطاع دام أكثر من عامين لظروف العمل والتفرغ لأشياء أخرى! يحدث ذلك لأننا في هذا العالم نكتب عندما نشعرُ بذلك الوخز الذي يجرنا دون تردد إلى ساحات الفضاء، خاصة أن الكتابة في الوطن العربي لا يمكن أن تكون مصدر دخل ولا يُعتمد عليها إطلاقا! وكلما تذكرت موقفين لأهم وأشهر الكتاب والمؤلفين السعوديين، أحدهما رحل عن الدنيا فقيرا بعد أن أصدر أكثر من 55 مؤلفا - بغض النظر عن جودتها ومحتوها - والآخر يعيش الويلات باحثا عن قوت يومه؛ أعيد التفكير بموضوع الكتابة!

إذن لماذا أعود للكتابة والكل يعرف أن المشروع الثقافي لا يسقيك الماء؟ انتقلت مؤخرا للعمل في الملحقية الثقافية في دبلن وشاءت الصدف أن أسكن خلف جسر المسرحي والروائي العظيم صمويل بيكيت، والذي أقطعه مرات عدة، وأمر أيضا بمتحف الروائي جيمس جويس. وغالبا ما تجد في كل زاوية شارع تماثيل الفنانين والممثلين والشعراء، وكأنك تعيش في متحف داخله مدينة!

من المجحف أن يطالب المثقف بالإنتاج والنشر الأدبي في ظل غياب الدعم الحقيقي! لقد مل المثقف من حكاية الدعم المعنوي وجاء الوقت لأن يقول: هذا عرق أفكاري وجهد قراءاتي المتراكمة! المسألة تتطلب دعم المنظومة الثقافية بشكل أوسع، خاصة أن لدينا وزارة الثقافة الفتية التي ننتظر منها التحرك السريع. فالمؤسسات الثقافية تقوم بعمل تقليدي لم يتغير منذ عقود، ولم تكن في يوم من الأيام منبعا للمبدعين إلا ما ندر.

نحن نكتب لأننا نحب أن نُسكن قلق الأسئلة، وأن نمارس صناعة المحتوى الهادف ذي القيمة، وسط ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي التي قدمت لنا فئة لا تقرأ، وترتكز ثقافتها على مقاطع صوتية أو تغريدة تائهة أو مقطع فيديو يقدم جرعة باهتة من فئة (الوجبات السريعة)، ومع هذا يقدمون في الأعلام كخبراء ومحللين ومثقفين، بل وممثلين في الخارج لكثير من حملات الجهات الحكومية!

لدينا مجموعة كبيرة ومتميزة ومعروفة عربيا وعالميا من المثقفين، وهذه الفئة في نظري الشخصي هي أهم أدوات القوة الناعمة التي من المهم أن تعزز وتحافظ عليها الدولة بشكل عام والمؤسسات الثقافية خاصة.

إن غياب هذه الفئة عن المشهد الثقافي وتسيد فئة (ارفع الشاشة وكود الخصم) سوف ينعكس سلبا على الصورة الحقيقة لواقع الحركة الثقافية والأدبية السعودية، ويعطي صورة للآخر بأن هذه هي بضاعة المثقفين!

ورغم كل الظروف المحبطة من حولنا فإن الشغف يقودنا دون تردد إلى العودة للكتابة وممارسة العملية الثقافية، على يقين بأن الأمل معقود بالله ثم برؤية بلادنا العظيمة 2030 ووزير الثقافة الشاب الذي نراهن عليه بأنه سوف يصنع الحلول لإعادة الاعتبار للمثقفين والكتاب، قبل أن يتمكن الكهنة من فك سحر الكتابة!

@faresalhammzani