علي السرحاني

التدين المغشوش!

الاثنين - 22 يوليو 2019

Mon - 22 Jul 2019

هذه الكلمة وجدت مثلها في كتاب «صيد الخاطر» ضمن قراءاتي المتكررة للكتاب، فقد ذكر ابن الجوزي «التدين الفاسد، ورياء الزهاد، والزهد المزيف، والزهد الكاذب، والزهاد المراؤون»، وقال «رأيت كثيرا من الناس يتحرزون من رشاس نجاسة ولا يتحاشون من غيبة، ويكثرون من الصدقة ولا يبالون بمعاملات الربا، ويتهجدون بالليل ويؤخرون الفريضة عن الوقت في أشياء يطول عددها من حفظ فروع وتضييع أصول».

وأحسب أن مصطلح «التدين المغشوش، أو الفاسد» من بنات أفكار ابن الجوزي، إذ لم أجدها من قبل عند غيره، في حد علمي، ومن قرأ حجة على من لم يقرأ.

واللائق أن نقول التدين، وليس الدين، لأن الدين من فعل دان أي اعتنق واعتقد، فكرا أو مذهبا معينا، وسار على نهجه، فهو الأخلاق والأصول والأحكام والثوابت، ويكون سماويا. وبهذا لا يصح أن يقال عنه «الدين المغشوش» وأما التدين فهو نسبة مقياس تلك المعتقدات، وهو ممارسة بشرية.

والدين في العموم فطري تحتاجه البشرية جمعاء، والتعبد وجد منذ وجد الإنسان والآثار التاريخية تؤكد ذلك، فلا تخلو عاصمة من مسجد أو معبد.

والتدين عند الناس جميعهم، ولا يختص بشعب دون شعب، أو ديانة دون أخرى، ومن هنا أعد معهد (جالوب الأمريكي) دراسة عن أكثر المناطق تدينا في العالم! واللطيف في الدراسة أنها وجدت أن العالم العربي من أكثر الشعوب تدينا على وجه الأرض، ولكن في الوقت نفسه، نجد أن شعوب هذه المنطقة تحتل مراكز متقدمة في الفساد والرشوة، والتحرش الجنسي، والغش والنصب والتزوير. وتلك من مظاهر التدين - الإسلامي - المغشوش.

لذا أرى أن المسلمين حديثي الإسلام، يشعرون بتمزق شديد حين يقرؤون عن الدين العظيم الذي اعتنقته بلدان وما دخلته بالسيف أبدا، ويرون التدين في ممارسة المسلمين اليوم وللأسف. إذ يرون مسلمين بلا إسلام، ولعل أحدهم يردد في نفسه:

كم من صاحب يلقاك عناقا

ويقسم لك أنه لا يطيق لك فراقا

‏شيطان في مخبره! ملاكا في مظهره

‏ يلقاك بوجه أبي بكر وقلب أبي لهب

هذا وقد حذر من ظاهرة التدين المغشوش الشيخ محمد الغزالي - وغيره - وقال «وفي تجاربي ما يجعلني أشمئز من التدين المغشوش، وأصيح دائما أحذر من عقباه، فهم يستترون على أنفسهم بركعات ينقرونها مقابل فتوق هائلة في بنائهم الخلقي والنفسي، وهم لا يظنون بالناس إلا الشر، ولا يتربصون بهم إلا بالعقبات، وإن كان للإيمان سبعون شعبة، فهم لا يفرقون فيها بين الفريضة والنافلة ولا بين الرأس والذنب. إن التدين يوم يفقد طيبة القلب ودماثة الأخلاق ومحبة الخلائق يكون لعنة على البلاد والعباد».

قلت: وإنك لتعجب كيف لا يلامس الدين جوهر بعض المسلمين وهم يصلون 35 فريضة كل أسبوع، ويقرؤون فيها «اهدنا الصراط المستقيم» 119 مرة، ومع هذا ترى الدين النظري في جهة والعملي في جهة أخرى.

أظن ظنا ليس من اليقين ببعيد أن الحل لكيلا يخرج التدين عن سكة الدين «أن تكون كل الخطط والمشاريع والتعليم والاقتصاد والإدارة، والثقافة والمجتمع كافة، تبنى على المبادئ الإسلامية التي في القرآن والسنة، ومنها ننطلق لكي نصل...» كما قال خالد الفيصل.

المصطلح يغري بالدراسة، ومن هنا أناشد مراكز الأبحاث العلمية، والنفسية، والسلوكية، بالتصدي لهذا المصطلح بالدراسة والبحث ولو لم تظهر نتائجه إلا بعد حين. اللهم أصلح أحوالنا.