علي السرحاني

فقر العلماء وحاجة الأدباء

الاحد - 23 يونيو 2019

Sun - 23 Jun 2019

يتلازم الفقر مع طلب العلم، ولم أذكر من خلال قراءاتي أني وجدت عالما غنيا، سوى الليث بن سعد (ت 175 هـ) الذي كان عالما فقهيا، وكانت تتنقل مكتبته معه في رحلاته، وكان يأخذ ضيوفه ومرافقيه معه ويضمن لهم الرعاية والإعاشة، وعبدالله بن المبارك (ت 181هـ) الذي كان ينظم حملات حج خيرية للناس، والليث بن المظفر (ت 190هـ) فقد كان أميرا وعالما، وما سلم من غيرة زوجته التي ضاقت من كتبه فأحرقت مكتبته (كتاب العين) وابن الجوزي (ت 597هـ)، والذهبي (ت 748هـ)، والأخيران غنيان بالميراث.

والغالب الأعم أن العلماء فقراء مال أغنياء نفس، ومن أولئك أبوعمرو بن العلاء (ت 154هـ) والخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ)، والإمام البخاري (ت 256 هـ) وغيرهم، ومن ذاق لذة العلم مع استقرار حياته الزوجية - وهو فقير - فقد نال الخير كله، يقول ابن الحوزي: اللذات كلها بين حسي وعقلي فنهاية اللذات الحسية وأعلاها النكاح ونهاية اللذات العقلية وأعلاها العلم، فمن حصلت له الغايتان فقد نال النهاية.

والعلماء أقل الناس بحثا عن التجارة ومضاربتها ولا يعرفون «دلوني على السوق»، استخلفم الله ليوقعوا عنه، فيما يصلح للناس، في حركة معاشهم. ولا أظن أن العلماء فقط هم الفقراء، بل حتى الأدباء، إذ ظهرت في التراث الأدبي مقولة:

لحقته حرفة الأدب. ويبدو أن «حرفة الأدب» تعني كذلك قلة الحظ والنكد، فهذا ابن بسام يرثي الخليفة عبدالله بن المعتز 296 هـ الذي كان خليفة ليوم واحد، فقتل، فقال فيه الشاعر:

لله درك من ميت بمضيعة

ناهيك في العلم والآداب والحسب

ما فيه لو ولا ليت فتنقصه

وإنما أدركته حرفة الأدب

وكان الثعالبي (ت 429 هـ) يقول»حرفة الأدب حُرفة» والحرفة بالضم تعني قلة الحظ، وقد ألف الأديب المصري طاهر أبوفاشا كتاب «الذين أدركتهم حرفة الأدب»، وذهب إلى أن الكلمة هي بضم الحاء، بمعنى سوء الحظ.

وممن لحقتهم حرفة الأدب عند الإنجليز، الروائي الشهير وليم ميكبيس ثاكري، صاحب رواية «دار الغرور»، لكن أعماله الأدبية لم تسعفه للوصول للثروة، فهجرها للصحافة، وقال قولته المشهورة إن «الأدب ليس تجارة ولا مهنة ولكنه الحظ الأنكد».

وقد لحقت حرفة الأدب الروائي السعودي إبراهيم شحبي الذي باع مكتبته (بعد جمع للكتب استمر 35 سنة) لشراء آلة حراثة لمزرعته الواقعة في إحدى قرى رجال ألمع لزراعة البن والدخن، ودعا - على سبيل السخرية - الروائي أحمد الدويحي أصدقاءه إلى شراء مكتبته وأخذه بنفسه مع المكتبة (فوق البيعة) في سبيل توفير مصاريف علاج له.

أدعو لأدبائنا بالعيش الكريم، وألا تلحقهم حرفة الأدب بالمعنى القديم.

ما رأي وزارة الثقافة أن تسرع في إخراج صندوق الأدباء ليرى النور، ولا أدري ما علاقته بصندوق نمو، التابع لوزارة الثقافة؟! ولعل الوزارة تقيم حملة باسم (جابر) استئناسا بـ (جابر عثرات الكرام) لسداد التزامات الأدباء برعاية البنوك السعودية. هل تظنون أن الوزارة ستفعلها؟

الأكثر قراءة