سوء الظن من الفطنة


الظن بالآخرين هو توقع ما يبطنون في دواخلهم؛ ودائما ما يحذرون من سوء الظن على أنه خصلة قبيحة تودي لمرض الشك وعدم الثقة، وترديد الآية المعروفة (إن بعض الظن إثم) أعطى هذا المعنى بعدا دينيا وتأكيدا ربانيا.


الظن بالآخرين هو توقع ما يبطنون في دواخلهم؛ ودائما ما يحذرون من سوء الظن على أنه خصلة قبيحة تودي لمرض الشك وعدم الثقة، وترديد الآية المعروفة (إن بعض الظن إثم) أعطى هذا المعنى بعدا دينيا وتأكيدا ربانيا.

الخميس - 19 نوفمبر 2015

Thu - 19 Nov 2015



الظن بالآخرين هو توقع ما يبطنون في دواخلهم؛ ودائما ما يحذرون من سوء الظن على أنه خصلة قبيحة تودي لمرض الشك وعدم الثقة، وترديد الآية المعروفة (إن بعض الظن إثم) أعطى هذا المعنى بعدا دينيا وتأكيدا ربانيا.

إلا أننا لو نظرنا للواقع لوجدنا سوء الظن من الفطنة والذكاء والفراسة، وعواقبه حميدة وبعيدة عن الوقوع في شباك صيادي النفوس المريضة.

وفي قوله تعالى (بعض) يؤيد المعنى السابق، فليس كل سوء ظن هو إثم بل بعضه والبعض جزء قليل من الكل.

وقد كانت العرب تمتدح الشخص الفطن وتعده أهلا لتحمل مهام ومسؤوليات خطيرة، وهي - الفطنة - شرط أساسي لتولي مهام القضاء وحكم الدولة والمناصب المصيرية، لأن كل الأمور لا تسير ناصعة كالشمس أو ترضخ لقوانين نصية والتزامات أخلاقية.

وحتى لا نبتعد بعيدا عن سوء الظن، نقسم الظن لثلاثة أقسام:

سوء الظن: وهو الشك بالآخرين على الدوام، وهذا هو المنهي عنه، لأنه يسود القلب ويقبح الخلق ويجر صاحبه إلى ما لا تحمد عقباه. وحسن الظن: ويقع صاحبه في الكثير من المتاعب واستغلال الآخرين، وهذا يجعله ساذجا وبعيدا عن النضج والعمق في التفكير والنظر للأمور المستقبلية بحكمة.

والظن المعتدل: أو الفطن وهو الظن بالناس سوءا من باب الحيطة والحذر لا الشك، وهذا ما يقول فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم (لا يلدغ المرء من جحر مرتين)، وهو من ينجو من كوابيس الشك واحتلال عقلية السذج واستغلال المحتالين.

ليس الأمر كهذا فقط، بل تجد ردة الفعل تجاه موقف لاستغلال الآخرين تختلف باختلاف فطنة كل منهم، فالساذج لا يفكر أبدا بالانتقام أو حتى تجنب الوقوع فيما وقع فيه.

وسيئ الظن يحدث جلبة في حال استغلاله لا يخرج منها إلا بقبح الخلق ودناءة الأصل. وصاحب الظن المعتدل هو من لا يقبل باستغلاله، وخطواته لاستعادة حقه مدروسة فيحفظ كرامته وحقه في الوقت ذاته.

كما أن الصنفين الأول والثاني لا يتعلمان من المواقف وكثرة التجارب بعكس الصنف الثالث الذي يعتبر حياته مدرسة للتعلم. لذلك تجد الفطنة - أو الظن المعتدل - لا تجتمع مع الطمع، فالجشع يعميه جشعه عن محاولة فهم بواطن الآخرين، والحسود لا يوفق لأهل الثقة جراء رغبته في خسارة الآخرين، والبخيل لا يثق إطلاقا خوفا من الخسارة. فالأمر لا يرتبط بموقف أو اثنين، بل هي طباع تجلب بعضها بعضا حتى تكون إنسانا مقبولا أو منبوذا أو فاشلا. لهذا أخي عليك أن تكون وسطا في حكمك على الآخرين ومدى ثقتك بهم، حتى تكون شخصيتك متوازنة وعقليتك ناضجة وتفكيرك متزنا، وحتى لا تكون ضحية لاستغلال الآخرين أو ضحية لتفكيرك المتشكك والسلبي.