شاكر أبوطالب

القرآن الحكيم بين القراءة والاستماع

الاحد - 26 مايو 2019

Sun - 26 May 2019

القرآن هو كلام الله الذي أنزله على آخر الأنبياء والمرسلين، وآخر الكتب السماوية. وترتبط قراءة القرآن بشهر رمضان أكثر من غيره من الشهور، غالبا لعدة أسباب، لكن أبرزها أن القرآن أنزله الله في الشهر الفضيل كما جاء في سورة البقرة، وربما يقف هذا السبب وبقوة خلف تسابق المسلمين في قراءة القرآن في رمضان، والتنافس على عدد مرات ختم القرآن قراءة خلال الشهر، وبكل تأكيد طلبا لزيادة الأجر والثواب. ولكن كيف يمكن تدبر القرآن والتفكر في السور والآيات؟ هل يكون ذلك بالقراءة أم بالاستماع؟

في البداية ينبغي التمييز بين القراءة والاستماع، فالقراءة عملية نفسية عقلية لتحويل الرموز المكتوبة إلى رموز منطوقة، والقراءة فعل معتمد على حاسة البصر ومعرفة العقل، وهي عملية حيوية تحتاج لجهود بدنية وعقلية ونفسية.

والقراءة ليست نوعا واحدا، منها القراءة المتأنية، وهي الوقوف على مستويات بناء النص ووضعه ضمن سياقه اللغوي. والقراءة الحرفية وهي قراءة الكلمات والجمل «قراءة ظاهر النص»، والقراءة التحليلية وهي تحليل النص المقروء «قراءة باطن النص». والقراءة الناقدة وهي التمكن من الوقوف على مكامن القوة وطبيعة العلاقة للحكم على النص المقروء «قراءة باعث النص». والقراءة الإبداعية وهي مجموع القراءات السابقة «قراءة ما هو خارج النص».

أما الاستماع فهو عملية معقدة تقوم على إدراك الرموز اللغوية المنطوقة، ثم فهم معانيها، واستيعاب سياقها إدراكا وتحليلا وتفسيرا ونقدا. والاستماع أكثر من مجرد سماع، إنه عملية يعطي فيها المستمع اهتماما خاصا، وانتباها مقصودا لما تتلقاه الأذن من أصوات، وإعمال الذهن لفهم المعنى.

وهناك فرق بين الاستماع من جهة، والسماع والإصغاء والإنصات من جهة أخرى. فالسماع هو مجرد استقبال الأذن للأصوات بقصد أو بدونه ولكن دون انتباه أو تركيز. أما الإصغاء فهو الاستماع للأصوات والتفاعل معها بالعقل والوجدان. فيما يقصد بالإنصات السكوت عند الانتباه والتركيز على الصوت المراد الاستماع له.

وفي القرآن الحكيم تم تقديم حاسة السمع على الحواس الأخرى تأكيدا على أولويتها وأهميتها وقوتها، وعند ترتيب المهارات الأربع الأساسية، نجد أن الاستماع متطلب رئيس للنمو اللغوي والمهارات الأخرى، وهي الكلام والقراءة والكتابة.

ولأن قراءة القرآن متاحة في كل الشهور والأوقات، وليست حكرا على شهر رمضان، فينبغي أن تكون قراءة إبداعية تتميز بالحرية والانعتاق من أية انطباعات وأحكام وتفسيرات مسبقة، والابتعاد عن التقليدية والأفكار المعلبة. فإن لم تتحقق القراءة الواعية والمستوعبة للقرآن، فالأولى الأخذ بالتغيير من القراءة إلى الاستماع، ومن قارئ صوته قريب من النفس وتميل له الأذن، فصيح اللسان متقن لمخارج الحروف، وغاية ذلك تدبر القرآن الحكيم، ومحاولة استيعاب منطوق السور، وفهم سياق الآيات بإيجاد العلاقات الرابطة بينها، والتفكر في معاني الكلمات.

وقبل ذلك كله، فإن الاستماع والإنصات لقراءة القرآن فيهما رحمة وهدى، وتحرير خيال المستمع وإطلاقه دون قيود، إذ لا يحتاج الاستماع لجهد وعناء، كما هو الحال بالنسبة للقراءة، فلا يتطلب الاستماع سوى استخدام حاسة السمع فقط، وبذلك ترتاح بقية الحواس لأداء دورها في وظائف أخرى، فالاستماع يلامس الوجدان والعاطفة، ويثير المشاعر والأحاسيس، وبالتالي زيادة فرص التدبر والتفكر ووصول معاني القرآن للنفس والروح، لتحقيق الغاية من قراءة القرآن، وهي والهداية والرحمة.

shakerabutaleb@