محمد صالح الحربي

الحرب الناعمة.. سلاح الإعلام المعادي

السبت - 16 مارس 2019

Sat - 16 Mar 2019

أخذ المفهوم الحديث للحرب الناعمة (القوة والقدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع) أبعادا متسارعة في التنامي والتطور، بشكل لافت! وهي كما عرفها جوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية (مساعد سابق لوزارة الدفاع الأمريكية للشؤون الأمنية الدولية): الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة.

وبالتالي هي إحدى ركائز وأدوات الإعلام الوطني للدول للتأثير على الرأي العام المحلي والدولي، وجزء مهما من عناصر القوة التقليدية (العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية)، وذلك في ظل ما يشهده العالم من زيادة لافتة لأعداد مستخدمي الانترنت، والتي ستبلغ ثلاثة مليارات و900 مليون مستخدم بحلول 2019، أي ما يزيد على 51% من عدد سكان العالم، بعد أن بلغ هذا العدد مليارين و800 مليون مستخدم في 2014، علما أن عدد مستخدمي الانترنت في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا سيصل إلى 425 مليون مستخدم بحلول 2019، أي ما يعادل 27% من مجموع السكان، وبمعدل نمو سنوي مركب قدره 44% وذلك بفضل تنامي الطلب على الأجهزة النقالة، واستخدام الفيديو، وشبكات التواصل الاجتماعي، هذا ما كشفه تقرير توقعات مؤشر سيسكو (Cisco Visual Networking Index: Global Mobile Data Traffic Forecas) في مؤتمره السنوي العاشر للشبكات المرئية.

ما الهدف من الحروب الناعمة والموجهة ضد المملكة العربية السعودية؟

هو مشروع منظم ومخطط له، بهدف تشويش الأذهان، والتأثير على العقل، كما على العواطف والمخيلة، وبذر الشك والفتن، لخلق الاضطراب، وهدم المعنويات عن طريق بث وتكرار الإشاعات والمعلومات المغلوطة والملغومة والكاذبة والتلاعب بمحتواها بالتحوير والتغيير، وتزوير المعاني والمقاصد، وبالتالي فإن التضليل الإعلامي هو أحد أسلحة الحرب الناعمة، أي ما تقوم به الأجهزة الإعلامية على اختلاف أشكالها وأنواعها بصورة منظمة وممولة وموجهة لتضليل النخبة والرأي العام في ساحتنا.

من الأهمية أن نذكر أن الحرب الناعمة تدار من غرف تحكم وعمليات (control centers)، صممت خصيصا لأهداف أهمها:

1. رصد وتحليل الهاشتاقات والتغريدات في برامج التواصل الاجتماعي.

2. تحليل الأخبار المحلية والإقليمية والدولية عن طريق المصادر العامة.

3. جمع المعلومات عن طريق المصادر الخاصة وهي بشكل تسريبات.

4. صناعة الرموز والحسابات الوهمية وإدارتها لتتناغم وتتكامل مع توجيه الرأي العام المحلي والإقليمي ومن ثم توجييها إلى الوسائل المعنية بالنشر والبث.

لذا، فإن الإعلام المعادي والقنوات المضللة ومنها (قناة الجزيرة الفضائية) تم توظيفها من قبل الإعلام القطري، خاصة المرئي وشبكات التواصل الاجتماعي لاستهداف الدول المقاطعة لها وبشكل مكثف، المملكة، ثم الإمارات ومصر، ثم البحرين. وقد تم مؤخرا رصد حسابات تنشر بطريقة ممنهجة ما يعادل 90 تغريدة مسيئة للسعودية في الدقيقة الواحدة، أي نحو 130 ألف تغريده مسيئة يوميا، كما نشطت هذه الحسابات في قضية خاشقجي ومقاطعة قطر، لمحاولة الإساءة إلى المملكة بشكل كبير.

اعتمد الإعلام القطري، خاصة عبر قناته المضللة الجزيرة، مشروعه بأساليب مستنسخة ومنتقاة من نظريات (غوبلز) وزير الدعاية الألماني في عهد هتلر، وقام بتطويرها وتحديثها لتتوافق مع العصر والواقع الحالي، وأهم عناصرها تزييف وتحوير المحتوى، والتكرار، والتأطير (Framing Theory) وهذا أشدها خطورة! والذي من خلاله يتعمد سارد القصة أو الحدث إبراز أجزاء معينة والتركيز عليها، وإغفال أو تجاهل أو طمس أجزاء أخرى؛ بحسب هوى المتحدث وميوله وموافقتها لسلم الأولويات في إعلامه المضلل.

وأطرح هنا مثالا عاما بسيطا: ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺰور ﺻﺪﻳﻘﺎ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻳﺴﺄﻟﻚ: ﺗﺸرب ﺷاهي أو ﻗﻬوة؟ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺴﺘﺤﻴل أن ﻳﺨﻄﺮ ﺑﺒﺎﻟﻚ أن ﺗﻄﻠﺐ ﻋﺼﻴراً - مثلا - ﻓﻬﻮ ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻋﻘﻠﻚ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ اختيارات ﻣﺤددة ﻓﺮﺿﺖ ﻋﻠﻴﻚ ﻻ إراديا، وﻣﻨﻌﺖ ﻋﻘﻠﻚ ﻣﻦ البحث ﻋﻦ ﺟﻤﻴع اﻻﺧﺘيارات اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ، فالقوة الحقيقية لهذا الأسلوب ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﻌﻠﻚ ﺗﺨﺘار ﻣﺎ يريد! ودون أن ﺗﺸﻌﺮ!

لذا، فإن الأساليب متعددة في استخدام التأطير، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: حينما تطرح قناة الجزيرة خبرا محددا مسيئا للوطن، تنسبه إلى مصادر عالمية إخبارية شهيرة وناطقة بالانجليزية، كنيويورك تايمز، الغارديان، أو الألمانية ديرشبيغل أو الفرنسية لوموند، لإيهام المتلقي بمصداقية الخبر، سواء كان خبرا مزيفا أو مجتزءا من سياقه، أو صحيحا في عنوانه العام. عليه، فإن جل المتلقين للخبر لن يجهدوا أنفسهم بالبحث والتقصي والترجمة، خاصة مع زخم الأخبار المتسارعة والمتلاحقة وتنوع القنوات وتعددها.. إنه أسلوب التأطير!

والسؤال هنا: ماذا فعلنا وقدمنا للتصدي والمواجهة؟

لا بد لنا من اتخاذ تدابير وقائية، غير تقليدية، مؤثرة وفاعلة ومساندة لأجهزة الدولة المعنية للتصدي ومواجهة الإعلام المعادي بأدواته وأساليبه، حيث إن قنوات التواصل الإعلامي والاجتماعي المذكورة آنفا لا تكفي وحدها لصد هذا المد الإعلامي المتشابك والمعقد.

من وجهة نظري، أرى أن يتم تفعيل خطة عاجلة مرحلية قصيرة المدى، تتضمن التواصل المباشر مع جميع فئات المجتمع، ومنها الشباب (المدارس والجامعات) وذلك لإيصال وتوضيح أساليب الإعلام المعادي بطريقة حديثة، جذابة، مختصرة وواضحة في مواقع تواجدهم مباشرة.

إنها الحرب الإعلامية، فهل نواجهها ونتصدى لها بشكل كاف؟

@dr_mohAlharbi