مرزوق تنباك

صراع الأجيال

الثلاثاء - 15 يناير 2019

Tue - 15 Jan 2019

المجتمع الطبيعي هو المجتمع التفاعلي الذي لا تنفصل حلقات حراكه وعلاقاته ولا تتطابق كل التطابق، فيبقى الاتصال وإن اختلف الرأي والاتجاه والحال.

وسمات المجتمع التفاعلي البارزة هي التواصل بين فئاته ومكوناته، وتبادل الآراء التي تهتم في شؤونه وتفكر في مستقبله، وتقوم على ركيزتين هما جيل الشيوخ وجيل الشباب، وبينهما يحدث حراك وتفاعل إيجابي وتكامل يثري تصوره ويعمل لصالحه وتطوره.

جيل الشيوخ يرتكز في مساهمته على ماضيه وتجاربه وما قدم من أعمال تحقق من صلاحها ونجح فيها، ويستطيع أن يبرهن للشباب عليها بصفتها عملا ماضيا يقر به الشباب ويمكن الحكم له أو عليه، كما يدفع جيل الشيوخ بخبراته العريضة ليقتدي الشباب بهم ويذعنوا لطاعتهم أو على الأقل قبول النصائح التي يسدونها لهم، يقدم الشيوخ في كل شؤون الحياة وشجونها قصصا ويضربون أمثلة، ويعتدون بما حصلوا من المعارف وما أدركوا من الأحداث التي مرت، ويرون توظيفها لصالح الشباب الذين ليس لهم من الخبرة والتجربة في زعم الشيوخ ما يساعدهم في مواجهة الأمور التي تطرأ في حياتهم ويحتاجها زمانهم.

يدل الشيوخ على الشباب بهذه الدالة التي لا يرون أن الشباب يستطيع تجاوزها دون الإقرار بها والاعتراف لهم بسبق ما عملوا، والأخذ به والاستفادة منه، وهذه لازمة لا تفارق كبار السن والمتقدمين في العمر، ولهذا يعززون نصائحهم ويصرون أحيانا على صحتها، وقد يطالبون أن يلتزم الشباب بما يرى الشيوخ.

أما قطب الصراع الثاني فهم الشباب بكل فتوتهم واندفاعهم وإقبالهم على الحياة وتصورهم للمستقبل الذي يراهنون عليه، ويرون المغامرة في سبيله والمجازفة من أجله واجبا لا بد من القيام به، تلك الفتوة التي تعبر عن الرغبات الكامنة في نفوسهم وتغذي تطلعهم إلى تحقيق وجودهم، وتبرهن عليها سرعة الشباب وحدته وانفعاله بالأحداث التي تقع حوله، وهي سر غامض لا يستطيع الشيوخ الإقرار به، ولا يرون المسارعة إليه، ولكن للشباب الحق في الانعتاق من ماضي أسلافهم ولو أقروا به، والانطلاق إلى الجديد في زمانهم، ولكل جيل أسبابه ودوافعه التي تسوغ الاختلاف وتدعو له.

المقصود أن تعاقب الأجيال واختلافها سنة الله في خلقه منذ خلقوا، وتمايز الأجيال كذلك، وحين وجد الإنسان وجدت معه ثقافة التنازع والاختلاف، فما يراه فريق الشيوخ ويؤمن به ليس مسلما لدى الشباب ولا مقبولا عندهم، ناموس الطبيعة وسننها المعهودة تقول غير ذلك، وما يحدث لا يمنع من تفاوت في النظر للقواسم المشتركة بين الجيلين، تبقى الصلات والعلاقات بينهم فيكون الكبار أهل التجربة، يزعمون أنهم قد عرفوا الحياة وقلبوها بطنا على ظهر، وفازوا بالتجربة وزكت لهم بالخبرة والحنكة التي يعتدون بها.

بينما يعدها الشباب قيدا قويا يحد من الانطلاق والتحرر والسرعة التي يريدونها أن تسير بسرعة الزمن، هؤلاء المقبلون باندفاع وقوة وحماسة للعمل والإقبال على الحياة يرفضون تأني الشيوخ وسكناتهم التي تقيدها سنوات طويلة من التجارب التي عاشوها، ربحوا في بعضها ونجحوا مرات وخسروا في مرات كثيرة.

والخلاصة أن مجتمعنا مجتمع فتي وأكثر المواطنين في سن الشباب، والمتغيرات التي تواجههم في العلم وفي التقانة والاختراع وتبدل الأحوال أكبر من تجارب الشيوخ وأسرع من حركة الشباب، والاختلاف الثقافي وارد على كل حال. والسؤال الذين لا بد منه: أين الدراسات الاجتماعية المتخصصة؟ وأين أقسام الاجتماع في جامعاتنا الموقرة؟ وكم من البحوث التي تخدم حراك المجتمع وتوصف وضعه، وتوجهه الوجهة المناسبة وتعرض نتائجها للمسؤولين للعمل على تقريب النظر وتضييق مساحة الفوارق الثقافية بين الجيلين؟

Mtenback@