ياسر سندي

الدور الاستراتيجي للمعرفة في صنع قرارات المنظمة

الأربعاء - 31 أكتوبر 2018

Wed - 31 Oct 2018

يلعب رأس المال البشري المتمثل في الموظفين دورا استراتيجيا بارزا في منظماتهم، لأنهم محور الارتكاز ومستودع الاكتناز للمعرفة، وهم مراكز قوى التأثير للعقل الجمعي في صناعة القرارات، خاصة في المنظمات والشركات الكبرى، حيث تتركز تجمعات الموظفين بمشاركاتهم الفكرية الابتكارية وتبادلهم المعرفي، سواء كانت تلك التجمعات رسمية داخل أسوار المنظمة، أو غير رسمية على هامش المقابلات الاجتماعية خارج العمل في السفر والمحافل الخاصة.

كما أشار علماء النفس وتحديدا المهتمين بالسلوك التنظيمي والإداري إلى أن سيكولوجية العقل الجمعي كمصطلح علمي والمتمثل في طرح الموظفين لأفكارهم وإبداعاتهم وعصفهم الذهني، يعد أحد مقاصد إدارة المعرفة وهدفها الرئيس الذي يدل على ما يقوم به الموظف من سرد لأفكاره المتتابعة ومشاركاته المثرية التي ترتبط بعمليات العقل، مثل الانتباه والإدراك والفهم والتحليل وربط الأفكار وتجميعها كنتائج لمخرجات عمليات العقل البشري، وهو ما يطلق عليه في علم المعرفة (المعرفة الضمنية) وهي التي اكتسبها الفرد على مر الأزمان واحتفظ بها كخبرات سابقة ولم يصرح بها، فيصبح لدينا وعاء مليء بمجموعة من الأفكار المتلاقحة والمختلفة في شكلها ومضمونها وكيفيتها، وتتفق في المحصلة النهائية على حل مشكلة ما أو تغيير قرار ما أو صناعة قرار جديد.

وتاريخنا الإسلامي مليء بالأمثلة التي تدل على أهمية إشراك الأفراد للخروج بقرار جمعي صائب، وفي رأيي الخاص أجد أن أفضل وأكرم مثال على ذلك ما فعله معلمنا الأول في فن الإدارة وقدوتنا وقائدنا عليه الصلاة والسلام في غزوة الخندق، نستنتج المثل الإداري الحق لقائد استراتيجي فذ عندما ترك المجال للصحابة الكرام في طرح ما لديهم من أفكار مختلفة والاستماع لكل صحابي بطرح فكرته ومدى مناسبتها وقابلية تطبيقها على القرار المصيري آنذاك، حيث تمت الموافقة على فكرة الصحابي الجليل سلمان الفارسي لما لديه من خلفية عسكرية سابقة، وذلك بحفر خندق حول مداخل المدينة المنورة للتحصن من المشركين للرد على أي عدوان خارجي مفاجئ. فالقرار أولا يعكس مدى مرونة الرسول عليه الصلاة والسلام كقائد استراتيجي بتركه المجال للتحاور والتشاور والتبادل المعرفي بين الصحابة انطلاقا من التوجيه الرباني، حيث قال تعالى في محكم تنزيله «وشاورهم في الأمر»، آل عمران (159).

فتمكين الموظفين باختلاف مستوياتهم الوظيفية والتنظيمية سواء كانت التنفيذية أو الوسطى أو العليا بإعطائهم الفرصة وترك المجال لهم للمشاركة بعقولهم وأفكارهم وطرحها بشكل دائم، يساعد على توليد الإبداعات والحلول الجذرية لمشاكل عديدة ومختلفة، فالابتكار ما هو إلا نتاج فكرة تم تبنيها ورعايتها والمحافظة عليها وصقلها ومن ثم خرجت لترى النور فعادت بالفائدة المادية والاقتصادية على الموظفين والشركات والحكومات، وهو ما نسميه في ثورتنا العصرية بالاقتصاد القائم على المعرفة.

ومن وجهة نظري كمهتم بالسلوك التنظيمي وإدارة المعرفة، من الضروري أن يتم تمكين الموظفين بإتاحة الفرصة لطرح مبادراتهم وأفكارهم ويتم تجميع تلك الأفكار والآراء مسبقا وتحليلها ومكافأة صاحب الفكرة أو المجموعة التي توصلت للفكرة الإبداعية، حيث ستكون عاملا استراتيجيا مساعدا في المستقبل يتم بناء عليه التقارب والتعاون بين الإدارة العليا وكافة الموظفين، بطريقة غير مباشرة، مما يؤدي إلى رفع الروح المعنوية العامة والاستشعار بأن المنظمة ما هي إلى البيت الكبير الذي يحتضن كل الموظفين كأسرة واحدة، مما يخلق الولاء والارتباط التنظيمي المتبادل Employee engagement، لزيادة الدافع النفسي لدى المورد البشري ورفع الروح المعنوية لكل الموظفين Morale، وبالتالي خلق الحافز لزيادة الإنتاجية لدى المنظمات الحكومية والخاصة، ودفع عجلة التقدم الاقتصادي الوطني لتحقيق ما تطمح إليه قيادتنا الرشيدة استشرافا وإنفاذا للرؤية الواعدة 2030 بإذن الله تعالى.

Yos123Omar@