محمد العـوفي

الفساد الإداري والمالي.. أيهما أشمل وأعم؟

الاثنين - 29 أكتوبر 2018

Mon - 29 Oct 2018

في كثير من البيانات الصحفية والرسمية التي تتناول قضايا الفساد، أو حتى الأنظمة التي تصدر لمكافحة الفساد، يذكر الفساد المالي صراحة مترافقا مع الفساد الإداري، وكأنهما نوعان مختلفان ومنفصلان عن بعضهما البعض، بل إن بعضها يبالغ في التركيز على الفساد المالي على أساس أنه نواة الفساد، ويضعه في مرتبة متقدمة قبل الفساد الإداري، في حين أن الفساد المالي ما هو إلا نتيجة لفساد إداري، وخلل في الإجراءات الإدارية التي يفترض أن تكون سدا منيعا ضد نشوء أي نوع من الفساد؛ وعليه يمكن القول إن الفساد الإداري مظلة تؤوي تحتها كل أنواع الفساد بما فيها الفساد المالي.

فلا يمكن أن يكون فساد مالي دون أن وجود فساد إداري وضعف وقصور في الإجراءات الإدارية أو الأدوات الرقابية، فالاختلاس، واستغلال المال العام، والهدر في المال العام نتيجة طبيعية لاستغلال النفوذ، وسوء الاستعمال الإداري، وتعارض المصالح، والواسطة والمحسوبية، وكل ما سبق من ممارسات تسمى فسادا إداريا، كما أن بعض ممارسات الفساد الإداري قد تفضي إلى تجاوزات ومخالفات مالية، وبعضا منها يبقى مخالفات إدارية فقط ليس بالضرورة أن يترتب عليها فساد مالي. الفساد الإداري هو القناة التي تمر من خلالها المخالفات والتجاوزات المالية، بل إنه يشرعن لتلك الممارسات ويحاول تغطيتها وإضفاء الصفة النظامية عليها من خلال التلاعب في الإجراءات الإدارية حتى لا تنكشف تلك الممارسات.

كل قضايا الفساد المالي التي تم كشفها وضبطها محليا وعالميا عند تتبع منشئها، يكتشف أنها نتيجة لخلل في الممارسات الإدارية وضعف الإجراءات واستغلالها من قبل موظفين فاسدين، وأن هناك محاولات للتغطية عليها لعدة سنوات قبل أن تكتشف، فكثير من الانهيارات التي حدثت في كثير من المؤسسات المالية والهيئات العامة يعود أساسا إلى فساد إداري سهل مرر كثيرا من العمليات المالية التي تحوم حولها شبه فساد.

خلاصة القول، يظل الفساد بغض النظر عن تصنيفاته سواء أكان فسادا إداريا أو ماليا جريمة كبرى ومعول هدم يهدد سفينة التنمية، والوسيلة الأولى نحو القضاء عليه تكمن في تعزيز الإجراءات الإدارية وتسهيلها، وتعزيز إجراءات الرقابة داخل الجهات الحكومية، وقبلهما تعزيز أخلاقيات المهنة، فلكل مهنة أخلاقياتها، لكن هناك أخلاقيات تتشارك فيها كافة المهن كالأمانة والصدق والإخلاص والنزاهة واحترام الأنظمة واللوائح المنظمة لعملها.

التحول الأهم الذي يمكن أن يحد من انتشار الفساد هو نشر الأحكام القضائية الخاصة بقضايا الفساد المالي والإداري بعد اكتسابها الصفة القطعية، لأن الإعلام بما يصدر من أحكام في قضايا الفساد سيكون رادعا قويا أمام الفاسدين والمفسدين، ويؤسس لمرحلة جديدة من احترام الأنظمة والقوانين ومراعاتها.