ياسر سندي

معرفة القوة وقوة المعرفة

الأربعاء - 03 أكتوبر 2018

Wed - 03 Oct 2018

لا يمكن لأي قوة أن تضاهي ما يحمله الإنسان من قوة الفكر الإبداعي كمحرك رئيس لجميع المخترعات على هذه البسيطة منذ بدء الخليقة إلى الآن، وجميع التراكمات والخبرات البشرية تعتبر معرفة متجددة تولد بطريقة سريعة وديناميكية بحسب الأهمية والاحتياج أو بغرض زيادة وتنويع الإنتاج.

وعلم النفس المعرفي يؤكد على أن العمليات المعرفية والعقلية لدى الإنسان تعمل بطريقة منتظمة ومتتابعة مثل الانتباه والإدراك والذكاء والتصور والتحليل والاستنتاج والخزن والاسترجاع فتزيد وتنقص هذه العمليات بحسب آراء علماء النفس المعرفي المختلفة والتي أثرت وأثارت جدلا كبيرا فيما تسببه من توليد أفكار إبداعية أفادت البشرية.

فالتفكير الإنساني يساعد على إنتاج المعرفة والتي تتحول إلى منتجات وسلع بكافة أشكالها وأنواعها وفي جميع الأصعدة والتي تعمل على تحريك عجلة التنمية الاقتصادية والتبادل التجاري لمختلف المنتجات العسكرية والاستهلاكية والغذائية للدول بحسب الميزة المعرفية لكل شعب، وهنا يكمن بيت القصيد قال تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) سورة الحجرات 13.

والمعرفة هي كل ما يملكه الإنسان من تراكمات وخبرات تحصل عليها من خلال اطلاعه وقراءاته ودراسته وعمله واحتكاكه بالآخرين وتم تخزينها في عقله ولم يصرح بها ومن ثم تتحول هذه الحصيلة الطويلة من الخزن المعرفي من خلال التفاعل الفكري والإبداعي إلى ذكاء بشري ومن ثم منتج عصري يتم الاستفادة منه ولا يمكن أن تتولد هذه المعرفة وترى النور إلا في ظروف خاصة بحيث تتم رعاية هذا الإنسان الذي يحمل المعرفة الخاصة وإذا ما افترضنا أن ذلك الشخص هو موظف في إحدى المنظمات الحالية بمختلف أشكالها وأنماطها سواء الخاصة الموجهة للربح أو العامة الموجهة لتقديم الخدمات أو المختلطة بين الربحية والخدماتية، وتحتاج هذه المعرفة الكامنة داخل عقله وأيضا زملاء العمل من الموظفين إلى استفزاز وتحفيز لتتحرك وتتفاعل وتجد شخصا تنفيذيا وقياديا يعمل على برنامج يقوم على رعاية أفكار الموظفين وإبداعاتهم لتحويلها إلى معرفة مختلطة من خلال وعاء أو بنك معرفي يتم إنشاؤه في هذه المنظمة من خلال عدد من الآليات والأساليب يتم توظيفها لتحقيق الهدف المنشود وهو تحويل المعرفة إلى قوة وأيضا تحويل القوة إلى معرفة ومن ثم إلى منتج.

ومن وجهة نظري المعرفية أرى أن يتم تبني وجود إدارة للمعرفة في المنظمات بكافة أشكالها وطبيعة أعمالها يساعد على المحافظة على رأس المال البشري والذي يمتلك رأس المال الفكري ومن هذه السلوكيات والآليات الإدارية:

• وجود قيادات تنفيذية ذكية تتبنى مبدأ قوة المعرفة التي يمتلكها الموظفون.

الداعم الأول والأساسي لتفعيل دور وأهمية المعرفة هم قادة المنظمة وعلى رأسهم تنفيذيو الموارد البشرية وإيمانهم بذلك من إنشاء لهذه الإدارة لتحفيز الموظفين بكافة مستوياتهم بطرح أفكارهم وخبراتهم دوما وتوجيهها لإدارة تعنى بخزن المعرفة المتنوعة سواء كانت الإدارية أو التسويقية أو الهندسية واستدعائها حين الحاجة والسماح بمنهجية «التداعي الحر» لإطلاق كل ما لديهم من قصص ملهمة ومفيدة تساعد في زيادة وتنويع المنتجات وتقليص المصروفات.

• اتباع سلوك ومنهجية التعاضد المعرفي داخل المنظمة وخارجها.

يُشار إلى التعاضد على أنه التكاتف والتشابك والوقوف جنبا إلى جنب حول موضوع ما، وهو إشارة إلى الاستعانة والقوة لتبادل المعرفة قال تعالى (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) سورة القصص 35 أي سنقوي أمرك ونعز جانبك بأخيك، فلا تكون القوة إلا بالتماسك والوقوف جنبا إلى جنب لحل معضلة قد تواجهنا أو درء لمفسدة أو إيجاد حل لمسألة ما، والتعاضد المعرفي في المنظمات يعني المشاركة بقوة الرأي والحكمة في اتخاذ القرار.

• الحث على تمكين الموظفين داخل المنظمة.

وذلك بإشراكهم في صنع القرارات التنظيمية المصيرية وأخذ آرائهم المختلفة وتحفيز إبداعاتهم الفكرية للخروج بفكرة أو توليفة لعدة أفكار تساعد على تنويع المنتجات قال تعالى (وشاورهم في الأمر) سورة آل عمران 159 فالمشاورة تعني توحيد فكرة وقوة معرفة.

• وجود تقنيات عالية الكفاءة في المنظمة.

من الشروط المهمة لاستنباط المعرفة ونقلها وتدويرها وتخزينها في المنظمة وجود أجهزة حاسوبية عالية الجودة من حيث السرعة والجودة وأيضا وجود شبكة ذات كفاءة عالية لقدرة الموظفين على استخدامها بشكل مستمر وفوري.

فالشركات العالمية الكبرى مثل جنرال إلكتريك وبوينج وسيمنز تتبنى ما يسمى بإدارة المعرفة وهي رأس المال الفكري Intellectual capital، وهو الأصل غير الملموس لأي منظمة إذا ما أرادت أن تقوي جانبها الاقتصادي والإنتاجي، فالتعاضد المعرفي يكمن في إدارة الأفكار الموجودة لدى الموارد البشرية وتشخيصها والاستحواذ على الأفكار النيرة منها والصائبة ومن ثم التحفيز على الاستدامة في توليد تلك الأفكار وتخزينها بطريقة علمية تمكن من الرجوع إليها وقت الحاجة أو ما يسمى بآنية الوصول ودقة المعلومة لتقديمها لصاحب القرار لصنع القرار واتخاذه. فالتحدي القادم لرؤية المملكة 2030 يقوم في الأساس على الاقتصاد المعرفي ورأس المال الفكري الموجود في عقل المورد البشري ذي الخبرة العالية المتمثل في شباب الوطن والمرتكز حول مفهوم ماذا نعرف لكي نعمل، وكيف نتعاضد لكي ننتج، فالمعرفة هي القوة المستقبلية لأي منظمة، knowledge is power.

Yos123Omar@